المبحث
الثاني : الاختلاف في الزيادات
تمهيد :
الزيادات الواقعة في
المتون أو الأسانيد لَها أهمية بالغة عِنْدَ عُلَمَاء الحَدِيْث ؛ إذ أن لَهَا
عندهم مجال نظرٍ وبحثٍ واسع . وَلَمْ يَكُنْ أمرها عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ
اعتباطياً ، ثُمَّ إن الزيادات الواردة في المتون أو الأسانيد قَدْ كشفت عن قدرات
المتكلمين فِيْهَا ، وأبانت عن قدرات محدّثي الأمة وصيارفة الحَدِيْث في النقد و
التعليل و الكشف و التصحيح والتضعيف .
والزيادات الواردة في
بَعْض الأماكن دُوْنَ بَعْض نَوْع من أنواع الاختلاف سَوَاء كَانَ في المَتْن أم
في السَّنَد. ومَعْرِفَة الزيادات هِيَ إحدى قضايا علل الحَدِيْث الَّتِي مرجعها
إلى الاختلاف بالروايات. واختلاف الرواة في بَعْض الأحايين سنداً أو متناً أمرٌ
طبيعيٌّ ولا غرابة فِيهِ ، إذ إن الرواة يبعد أنْ يكونوا جميعاً في مستوى واحد من
التيقظ و الضَّبْط والحفظ ، وليسوا في مستوى واحد من الاهتمام و التثبت والدقة .
واختلاف المقدار قَدْ يَكُون مداه طويلاً من حِيْن تلقي الأحاديث من أصحابها إلى
حِيْنَ أدائها ، إذ إن شرط الضَّبْط أن يَكُون من حِيْن التحمل إلى حِيْن الأداء ([1])،
وما دامت المواهب متفاوتة حفظاً وضبطاً فإن الاختلاف في الزيادات واردٌ لا محالة .
فالرواة مِنْهُمْ من بَلَغَ أعلى مراتب الحفظ و الإتقان ، ومنهم دُوْنَ ذَلِكَ
ومنهم أدنى بكثير .
ثُمَّ إن الرواة
كثيراً مَا يشتركون في سَمَاع الحَدِيْث الواحد من شيخ واحد ، فحين يحدِّثون بهذا
الحَدِيْث بَعْدَ فترة من الزمن يَكُون الاختلاف بينهم بحسب مقدار حفظهم وتيقظهم
وتثبتهم .
عَلَى أن أحد الرواة
الثِّقات لَوْ زاد زيادة لَمْ تكن عِنْدَ البقية فإن ذَلِكَ لا يَقْدَح بصدقه
وعدالته وضبطه ، قَالَ الحافظ ابن حجر: (( إن الواحد الثِّقَة إذا كَانَ في مجلس
جَمَاعَة، ثُمَّ ذكر عن ذَلِكَ المجلس شيئاً لا يمكن غفلتهم عَنْهُ ، وَلَمْ يذكره
غيره، إن ذَلِكَ لا يَقْدَح في صدقه ))([2]).
إلاّ إذا كثر ذَلِكَ
مِنْهُ فإنه مجال بحث ونظر عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ ، فمن أكثر من ذَلِكَ فَهُوَ
مكثر من المخالفة ، وكثرة المخالفة منافية للضبط ، إذ إن الضَّبْط يعرف بموافقة
الرَّاوِي للثقات الضابطين([3]).
ومن ذَلِكَ مَا نقل عن الإمام أحمد بن حَنْبَل في ترجمة حجاج بن أرطاة ، فَقَدْ
قَالَ أبو طالب عن أحمد بن حَنْبَل: كَانَ من الحفاظ. قِيلَ: فَلِمَ لَيْسَ هُوَ
عِنْدَ الناس بذاك ؟ قَالَ: لأن في حديثه زيادة عَلَى حَدِيث الناس ، لَيْسَ يكاد
لَهُ حديثٌ إلا فِيهِ زيادة ([4]).
ثُمَّ إن مَعْرِفَة
الزيادات تَكُون بجمع الطرق و الأبواب([5]) والزيادات الَّتِي
هِيَ مجال نظر وبحث إنما هِيَ الَّتِي تَكُون من بَعْدِ الصَّحَابَة ، أما من
الصَّحَابَة فهي مقبولة اتفاقاً ([6]).
والزيادات في الأحاديث
تَكُون من الثِّقات ومن الضعفاء ، و الزيادة من الضَّعِيف غَيْر مقبولة ؛ لأن
حديثه مردود أصلاً سَوَاء زاد أم لَمْ يزد ([7]) . أما الزيادة من
الثِّقَة فهي مجال بحثنا هنا .
وَقَدْ قسمت
الْحَدِيْث عَنْهَا في مطالب .
المطلب الأول :
تعريفها
وزيادة الثِّقَة :
هِيَ مَا يتفرد بِهِ الثِّقَة في رِوَايَة الحَدِيْث من لفظة أو جملة في
السَّنَد أو المَتْن .
المطلب الثَّانِي :
أقسام زيادة الثِّقَة
فعلى هَذَا التعريف
هِيَ تنقسم قِسْمَيْن :
القِسْم الأول :
الزيادة في السَّنَد ، وكثيراً مَا يَكُون اختلاف الرواة في وصل الحَدِيْث وإرساله
، وكذا في رفعه ووقفه أو زيادة راو([8]).
والقسم لثاني : وَهِيَ
أن يَرْوِي أحدُ الرواة زيادة لفظة أو جملة في متن الحَدِيْث لا يرويها غيره([9]).
وما دمتُ قدمتُ إضاءة
عن زيادة الثِّقَة ، فسأتكلم عن مذاهب العُلَمَاء في رد زيادة الثِّقَة أو قبولها.
المطلب الثَّالِث :
حكم زيادة الثقة
إن الزيادة في المَتْن
إذا جاءت من الثِّقَة فَلاَ تخرج الرِّوَايَة عن ثلاثة أمور :
أن يختلف المجلس ، أي
مجلس السَّمَاع فتقبل الرِّوَايَة الزائدة إذا اختلف المجلس لاحتمال سَمَاع
الرَّاوِي لهذه الزيادة في مجلس لَمْ يَكُنْ فِيهِ أحدٌ مِمَّنْ سَمِعَ الحَدِيْث
في المجلس الأول ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ : (( زعم الأبياري وابن الحاجب والهندي
وغيرهم أَنَّهُ لا خِلاَف في هَذَا القِسْم ، وَلَيْسَ كَذلِكَ ))([10]).
أن لا يعلم الحال هَلْ
تعدد المجلس أم اتحد ، فألحقها الأبياري بالتي قبلها أي تقبل بلا خلاف ، وَقَالَ
الهندي :(( ينبغي أن يَكُون فِيْهَا خِلاَف يترتب عَلَى الخلاف في الاتحاد و أولى
بالقبول ؛ لأن المقتضي لتصديقه حاصل والمعارض لَهُ غَيْر محقق ))([11])
، وَقَالَ الآمدي : حكمه حكم المتحد وأولى بالقبول؛ نظراً إِلَى احتمال التعدد ،
وأشار أبو الْحُسَيْن في " المعتمد " ([12]) إلى التوقف
والرجوع إلى الترجيح ثُمَّ قَالَ : والصَّحِيح أن يقال : يَجِبُ حمل الخبرين عَلَى
أنهما جريا في مجلسين . وَقَالَ ابن دقيق العيد قِيلَ: إن احتمل تعدد المجلس قبلت
الزيادة اتفاقاً وهذا فِيهِ نظر في بَعْض المواضع ([13]).
أما إذا اتحد المجلس
فَقَدْ اختلف في قبول الزيادة عَلَى عدّة أقوال ، مِنْها :-
قِيلَ تقبل مطلقاً
سَوَاء كَانَتْ الزيادة من الرَّاوِي بأن يرويها مرة ويتركها مرة أو من غيره ،
وسواء تعلق بِهَا حكم شرعي أم لا ، وسواء غيرت الحكم الثابت أم لا ، وسواء أوجبت
نقصاً ثبت بخبر لَيْسَ في تِلْكَ الزيادة أم لا ، وسَوَاء كثر الساكتون عَنْهَا أم
لا ، وهذا مَا ذهب إِليهِ جُمْهُور الفُقَهَاء والمُحَدِّثِيْنَ والأصوليين كَمَا صرح
بِذَلِكَ الْخَطِيْب ([14]).
وَقَالَ السخاوي:(( وجرى عَلَيْهِ النَّوَوِيّ في مصنفاته وَهُوَ ظاهر تصرف
مُسْلِم في صحيحه ))([15])
، وَهُوَ أيضاً مَا ذهب إِليهِ الحَاكِم ([16]) ، وابن حزم ([17])
، و أَبُو إسحاق ([18])
الشيرازي ([19])
،
وإمام الحرمين ([20])
، والغزالي ([21])،
وابن الصَّلاح ([22])،
وغيرهم([23])
وذهبوا إلى أن الرَّاوِي إذا انفرد برواية خبر واحَد دُوْنَ الثقات قُبِلَ ذَلِكَ
الخبر مِنْهُ، فكذلك الزيادة ؛ لأَنَّهُ عدل .
وَقِيلَ : لا تقبل
الزيادة مطلقاً وهذا مَا نقل عن معظم الحنفية ، وعزاه السمعاني لبعض أهل
الحَدِيْث، وَقَالَ الشَّافِعيّ (( من تناقض القَوْل الجمع بَيْنَ قبول رِوَايَة
القِرَاءة الشاذة في القُرْآن ورد الزيادة الَّتِي ينفرد بِهَا بَعْض الرواة، وحق
القُرْآن أن ينقل تواتراً بخلاف الأخبار . وما كَانَ أصله التواتر وقبل فِيهِ
زيادة الواحد ، فلأن يقبل فِيهِ مَا سواه الآحاد أولى )) وحكاه الْقَاضِي عَبْد
الوهاب ([24])
عن أبي بَكْر الأبْهري وغيره من أصحابهم ([25]).
وَقِيلَ: لا تقبل من
الثِّقَة إذا كَانَتْ من جهته ، أي أَنَّهُ رَواهُ ناقصاً ثُمَّ رَواهُ بالزيادة ،
وتقبل من غيره من الثِّقات ، وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة من الشافعية كَمَا حكاه
الخطيب([26]).
ذهب ابن دقيق العيد
إلى أَنَّهُ إذا اتحد المجلس فالقول للأكثر ، سَوَاء كانوا رواة الزيادة أو غيرهم
، تغليباً لجانب الكثرة فإنها عن الخطأ أبعد، فإن استووا قُدِّمَ الأحفظ والأضبط ،
فإن استووا قُدِّمَ المثبت عَلَى النافي، وَقِيلَ: النافي؛ لأن الأصل عدمها .
والتحقيق أن الزيادة إن نافت المزيد عَلَيْهِ أحتج للترجيح لتعذر الجمع... وإن
لَمْ تنافه لَمْ يحتج إلى الترجيح ، بَلْ يعمل بالزيادة إذا أثبتت كَمَا في المطلق
و المقيد([27]).
قَالَ أبو نصر بن
الصباغ ([28])
: (( إذَا رَوَى خبراً واحداً راويان فذكر أحدهما زيادة في خبره لَمْ يروها الآخر
، نظرت فإن رويا ذَلِكَ عن مجلسين كَانَا خبـرين وعمل بهما وإن رويا ذَلِكَ عن
مجلس واحد فَهُوَ خبر واحد ، فإن كَانَ الَّذِي نقل الزيادة واحداً والباقون
جَمَاعَة لا يجوز عَلَيْهِمْ الوهم ، سقطت الزيادة ؛ لأَنَّهُ لايجوز أن يَسْمَع
جَمَاعَة كلاماً واحداً فيحفظ الواحد ويهم الجماعة ، وإن كَانَ الذين نقلوا
الزيادة عدداً كبيراً ، فالزيادة مقبولة، وإن كَانَ الَّذِي رَوَى الزيادة واحداً
والذي سكت عَنْهَا واحداً أيضاً فإن كَانَ الَّذِي رَوَى الزيادة معروفاً بقلة
الضَّبْط كَانَ مَا رَواهُ المعروف بالضبط أولى ، وإن كَانَا ضابطين ثقتين كَانَ
الأخذ بالزيادة ))([29]).
وَقَالَ الآمدي ([30])
: (( إن كَانَ من لَمْ يرو الزيادة قَدْ انتهوا إلى عدد لا يتصور في العادة غفلة
مثلهم عن سَمَاع تِلْكَ الزيادة وفهمها ، فَلاَ يخفى إن تطرق الغلط و السهو إلى واحد
فِيْمَا نقله من الزيادة يَكُون أولى من تطرق ذَلِكَ إلى العدد المفروض فيجب ردها ، وإن لَمْ ينتهوا إلى هَذَا الحد فَقَدْ
اتفق جَمَاعَة الفُقَهَاء و المتكلمين عَلَى وجوب قبول الزيادة، خلافاً لجماعة من
المُحَدِّثِيْنَ و لأحمد بن حَنْبَل في إحدى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ )) ([31]).
وذهب إلى هَذَا
القَوْل ابن الحاجب ([32])
والقرافي وغيرهما ([33])،
وَقَالَ أبو الخطاب الكلوذاني : (( إن كَانَ ناقل الزيادة جَمَاعَة كثيرة فالزيادة
مقبولة والواحد قَدْ وهم ، وإن كَانَ راوي الزيادة واحداً وراوي النقصان واحداً
قدّم أشهرهما بالحفظ والضَّبْط والثِّقَة ، وإن كَانَا سواءً في جَمِيْع ذَلِكَ
فذكر شَيْخُنَا ([34])
عن أحمد رِوَايَتَيْنِ : أحدهما : أن الأخذ بالزيادة أولى ، قَالَهُ في رِوَايَة
أحمد بن قاسم و الميموني([35])
، وبه قَالَ عامة الفُقَهَاء والمتكلمين. والأخرى الزيادة مطروحة . أومأ إليه في
رِوَايَة المروذي و أبي طالب ، وبه قَالَ جَمَاعَة من أصحاب الحَدِيْث . وَلَيْسَ
هذِهِ الرِّوَايَة في هذِهِ الصورة ، وإنما قالها أحمد في جَمَاعَة رووا حديثاً
انفرد أحدهم بزيادة ، فرجح رِوَايَة الجماعة ، فأما فِيْمَا ذكرنا من هذِهِ الصورة
فَلاَ أعلم عَنْهُ مَا يدل عَلَى اطراح الزيادة ))([36]) .
إذَا كَانَت الزيادة
تغير إعراب الباقي كانا متعارضين فتردُّ الزيادة ، وَهُوَ مَاذهب إِليهِ الأكثرون
كَمَا حكاه الهندي ([37])،
وَقَالَ الرازي : (( الرواي الواحد إذَا رَوَى الزيادة مرة وَلَمْ يروها غَيْر تِلْكَ المرة ، فإن
أسندهما إلى مجلسين قبلت الزيادة ، سَوَاء غيرت إعراب الباقي أو لَمْ تغير ، وإن
أسندهما إلى مجلس واحد ، فالزيادة إن كَانَتْ مغيرة للإعراب تعارضت روايتاه كَمَا
تعارضتا من راويين وإن لَمْ تغير الإعراب فإما أن تَكُون روايته للزيادة مرات أقل
من مرات الإمساك أو بالعكس ، أو يتساويان : فإن كَانَتْ مرات الزيادة أقل من مرات
الإمساك : لَمْ تقبل الزيادة ؛ لأن حمل الأقل عَلَى السهو أولى من حمل الأكثر
عَلَيْهِ ، اللهم إلا أن يَقُول الرَّاوِي: إني سهوت تِلْكَ المرات وتذكرت في
هذِهِ المرة . فهنا يرجح المرجوح عَلَى الراجح لأجل هَذَا التصريح ، وان كَانَتْ
مرات الزيادة أكثر : قبلت لا محالة … و أما أن يتساويا قبلت الزيادة لما بيّنا :
أن هَذَا السهو أولى من ذَلِكَ . واللهُ أَعْلَمُ))([38]) . وقبلها
الْقَاضِي عَبْد الجبار([39])
إذَا أثرت في المَعْنَى دُوْنَ اللفظ وَلَمْ يقبلها إذَا أثرت في إعراب اللفظ.([40])
إنها لا تقبل إلا إذَا
أفادت حكماً شرعياً فإذا لَمْ تفد حكماً شرعياً لَمْ تعتبر حكاه الْقَاضِي عَبْد
الوهاب وحكاه ابن القشيري ([41])
، فَقَالَ : (( وَقِيلَ: إنما تقبل إذَا اقتضت فائدةً جديدةً )) ([42]).
إنها تقبل إذَا رجعت
إلى لفظ لا يتضمن حكماً زائداً كَمَا حكاه ابن القشيري أو كَانَتْ في اللفظ دُوْنَ
المَعْنَى كَمَا حكاه الْقَاضِي أبو بكر([43]).
الوقف ؛ لأن في كُلّ
واحد من الاحتمالات بعداً و الأصل وإن كَانَ عدم الصدور، لَكِنْ الأصل أيضاً صدق
الرَّاوِي . وَإِذَا تعارضا وجب التوقف . حكاه الهندي([44]) .
إذَا كَانَ راوي
الزيادة ثِقَة وَلَمْ يشتهر بنقل الزيادة ولكن كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى طريق
الشذوذ قبلت كرواية مَالِك (( من المُسْلِمِيْنَ ))([45]) في صدقة الفطر ،
وإن اشتهر بكثرة الزيادات مَعَ اتحاد المجلس وَلَمْ يَكُنْ هناك امتياز بسماع
فاختلفوا فِيهِ ، فمذهب الأصوليين قبول زيادته ، ومذهب المُحَدِّثِيْنَ ردها
للتهمة. قَالَهُ أَبُو الحَسَن الأبياري([46]).
قَالَ الْقَاضِي عَبْد
الوهاب المالكي : (( إذَا انفرد بَعْض رواة الحَدِيْث بزيادة وخالفهم بقية الرواة
، فعن مَالِك وأبي فرج من أصحابنا تقبل إن كَانَ ثِقَة ضابطاً ([47]).
وَقِيلَ : إنَّهَا تقبل إذَا كَانَ راويها حافظاً عالماً بالأخبار، فإذا لَمْ
يَكُنْ يلحق من لَمْ يَرْوِ الزيادة بالحفظ لَمْ تقبل وَهُوَ قَوْل ابن خزيمة ([48]).
واشترط الْخَطِيْب ([49]):
أن يَكُون راوي الزيادة حافظاً متقناً ، وَقَالَ الصَّيْرَفِيّ : (( إن كُلّ من
لَوْ أنفرد بحديث يقبل ، فإن زيادته مقبولة وإن خالف الحفاظ ))([50]).
قَالَ ابن حبان : (( و
أما زيادة الألفاظ في الروايات فإنا لا نقبل شيئاً مِنْها إلا عمّن كَانَ الغالب
عَلَيْهِ الفقه حَتَّى يعلم أَنَّهُ كَانَ يَرْوِي الشيء ويعلمه حَتَّى لا يشك
فِيهِ أَنَّهُ أزاله عن سننه أو غيرّه عن معناه أم لا ؛ لأن أصحاب الحَدِيْث
الغالب عَلَيْهِمْ حفظ الأسامي والأسانيد دُوْنَ المتون، والفُقَهَاء الغالب
عَلَيْهِمْ حفظ المتون وأحكامها وأداؤها بالمعنى دُوْنَ حفظ الأسانيد وأسماء
المُحَدِّثِيْنَ ، فإذا رفع محدّث خبراً وَكَانَ الغالب عَلَيْهِ الفقه لَمْ أقبل
رفعه إلا من كِتَابه ؛ لأَنَّهُ لا يعلم المُسْنَد من المُرْسَل وَلاَ المَوْقُوْف
من المُنْقَطِع وإنما همته إحكام المَتْن فَقَطْ ، وَكَذَلِكَ لا أقبل عن صاحب
حَدِيث حافظ متقن أتى بزيادة لفظة في الخبر ؛ لأن الغالب عَلَيْهِ إحكام الإسناد
وحفظ الأسامي والإغضاء عن المتون ومَا فِيْهَا من الألفاظ إلا من كتابه ، هَذَا
هُوَ الاحتياط في قبول الزيادات في الألفاظ ))([51]) .
وَقَدْ ذهب
الزَّرْكَشِيّ ([52])
إلى أن الزيادة تقبل بشروط وَهِيَ :
أن لا تَكُون منافية
لأصل الخبر .
أن لا تَكُون عظيمة
الوقع بحيث لا يذهب عَلَى الحاضرين علمها ونقلها و أما مَا يجل خطره فبخلافه .
أن لا يكذبه الناقلون
في نقل الزيادة .
أن لا يُخَالِف الأحفظ
و الأكثر عدداً فإن خالف فظاهر كلام الشَّافِعيّ-رَحِمَهُ اللهُ- في " الأم
" ([53])
إنَّهَا مردودة فَقَالَ : (( إنما يدل عَلَى غلط المحدّث أن يُخَالِف غيره مِمَّنْ
هُوَ أحفظ مِنْهُ أو أكثر مِنْهُ ))([54]).
وَقَدْ عقّب العلائي
عَلَى كلام الشَّافِعيّ هَذَا بقوله : (( فأشار الشَّافِعيّ رَحْمةُ اللهِ
عَلَيْهِ بِذَلِكَ إلى أن هذِهِ الزيادة الَّتِي زادها مَالِك رَحِمَهُ اللهُ في
الحَدِيْث لَمْ يُخَالِف فِيْهَا من هُوَ أحفظ مِنْهُ وَلاَ أكثر عدداً فَلاَ
يَكُون غلطاً ، وَفِي ذَلِكَ إشارة ظاهرة إلى أن الزيادة متى تضمنت مخالفة الأحفظ
و الأكثر عدداً أَنَّهَا تَكُون مردودة ، وَلَمْ يفرق بَيْنَ بلوغهم إلى حد يمتنع
عَلَيْهِمْ الغفلة و الذهول وبين غيره ، بَل اعتبر مطلق الأكثرية الزيادة في الحفظ
))([55]).
أما أئمة الحَدِيْث
كيحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمان بن مهدي وعلي بن المديني وأحمد بن حَنْبَل ،
ويحيى بن معين ، والبُخَارِيّ ، والتِّرْمِذِي ، والنَّسَائِيّ ، وأبي حاتم ، وأبي
زرعة الرازيين ، والدَّارَقُطْنِيّ ، وغيرهم كُلّ هَؤُلاَء يَقْتَضِي تصرفهم من
الزيادة قبولاً ورداً الترجيح بالنسبة إلى مَا يقوى عِنْدَ الواحد مِنْهُمْ في
كُلّ حَدِيث ، وَلاَ يحكمون في المسألة بحكم كلي يعم جَمِيْع الأحاديث ([56]).
من هَذَا العرض يتبين
أن كثيراً من الفُقَهَاء و الأصوليين وفريقاً من المُحَدِّثِيْنَ قَدْ أطلقوا
القَوْل بقبول زيادة الثِّقَة وجنحوا لِذلِكَ في كَثِيْر من الأحيان ، و المرجوع
إليه في مِثْل هذِهِ الأمور المُحَدِّثُوْنَ لا غيرهم ، فَقَدْ كَانَ
المُحَدِّثُوْنَ يحكمون عَلَى كُلّ رِوَايَة بما يناسبها ، وهم المعوّل عَلَيْهِمْ
في مَعْرِفَة أحكام زيادة الثِّقَة ، فيجب الرجوع إليهم وحدهم لكونها من ضمن
تخصصاتهم النقدية ، وليست هِيَ من تخصصات غيرهم .
ونظر المُحَدِّثِيْنَ
يختلف في الحكم عَلَى الأحاديث؛ إِذْ إن زيادة الثِّقَة عندهم مِنْهَا ما هُوَ
مقبول ، ومنها مَا هُوَ مردود تبعاً للقرائن المحيطة بِهَا ، والقرائن هِيَ
الَّتِي تجعل الحكم مختلفاً من حَدِيْث لآخر فمن القرائن مَا يدل عَلَى أن الزيادة
تَكُون أحياناً مدرجة في الحَدِيْث ، أو أَنَّهَا من قَوْل أحد رُوَاة الإسناد أو
من حَدِيث آخر . قَالَ الحَافِظ ابن حجر :(( مَا تفرد بَعْض الرُّوَاة بزيادة
فِيهِ دُوْنَ من هُوَ أكثر عدداً أو اضبط مِمَّنْ لَمْ يذكرها ، فهذا يؤثر التعليل
بِهِ ، إلا إن كَانَتْ الزيادة منافية بِحَيْثُ يتعذر الجمع . أما إن كَانَتِ
الزيادة لا منافاة فِيْهَا بِحَيْثُ تَكُون كالحديث المستقل فَلاَ ، اللَّهُمَّ
إلا إن وضح بالدلائل القوية أن تِلْكَ الزيادة مدرجة في المَتْن من كلام بَعْض
رواته ، فما كَانَ من هَذَا القِسْم فَهُوَ مؤثر ))([57]) .
وربما تَكُون الزيادة
غَيْر صَحِيْحَة لأمر آخر رُبَّمَا لا يفصح عَنْهُ المحدّث كَمَا لا يستطيع أنْ
يفصح الجوهري عن زيف الزائف([58]).
وربما قبل
المُحَدِّثُوْنَ الزيادة الواقعة في بَعْض المتون أو الأسانيد لقرائن تخص ذَلِكَ
ومرجحات خَاصَّة ، وَهِيَ كثيرة ، قَالَ العلائي : (( ووجوه الترجيح كثيرة لا
تنحصر ، وَلاَ ضابط لَهَا بالنسبة إلى جَمِيْع الأحاديث ، بَلْ كُلّ حَدِيث يقوم
بِهِ ترجيح خاص . وإنما ينهض بِذَلِكَ الممارس الفطن الَّذِي أكثر من الطرق
والروايات ؛ ولهذا لَمْ يحكم المتقدمون في هَذَا المقام بحكم كلي يشمل القاعدة ،
بَلْ يختلف نظرهم بحسب مَا يقوم عندهم في كُلّ حَدِيث بمفرده ))([59]).
وَقَدْ توهم من ظن
أنَّ النقاد موقفهم واحدٌ في كُلّ الزيادات؛ إِذْ إن النقاد إذَا كانوا قَدْ نصوا
في بَعْض المناسبات عَلَى قبول زيادة الثِّقَة أو الأوثق ، بحيث يخيل إلى القارئ
المتعجل أن موقفهم في ذَلِكَ هُوَ القبول المطلق ، فَهُوَ تخيل غَيْر صَحِيْح،
إِذْ إن عمل النقاد النقدي المتمثل في رد الزيادة مرة وقبولها أخرى بغض النظر عن
حال الرَّاوِي الثِّقَة أو الأوثق يَكُون ذَلِكَ كافياً للتفسير بأن ذَلِكَ لَيْسَ
حكماً مطرداً مِنْهُمْ ، و إنما قبلوا في حال الرَّاوِي الثِّقَة الَّذِي زاد في
الحَدِيْث زيادة بَعْدَ تأكدهم من سلامته من جَمِيْع الملابسات الدالة عَلَى
احتمال الخطأ و الوهم أو النسيان ، ويؤكد هَذَا المَعْنَى الحَاكِم النيسابوري
قائلاً:(( الحجة فِيهِ عندنا الحفظ و الفهم و المَعْرِفَة لا غَيْر ))([60]).
لَكِن الخطيب البغدادي
– فِيْمَا أعلم – هُوَ أول المُحَدِّثِيْنَ في النقل عن الْجُمْهُور بقبول زيادة
الثِّقَة ورجح ذَلِكَ فَقَالَ : (( والَّذِي نختاره من هذِهِ الأقوال : أن الزيادة
الواردة مقبولة عَلَى كُلّ حال معمول بِهَا إذَا كَانَ راويها عدلاً ومتقناً
ضابطاً ))([61]).
وَقَدْ ناقشه ابن رجب
الحنبلي فِيْمَا استدل بِهِ فَقَالَ: (( وذكر في الكفاية حكاية عن البُخَارِيّ :
أَنَّهُ سُئل عن حَدِيث أبي إسحاق ([62]) في النكاح بلا
ولي([63])-قَالَ
: الزيادة من الثقة مقبولة و إسرائيل ([64]) ثِقَة . وهذه
الحكاية – إن صحت – فإن مراده الزيادة في هَذَا الحَدِيْث ، وإلا فمن تأمل كِتَاب
" تأريخ البُخَارِيّ " ([65])
تبين لَهُ قطعاً أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يرى أن زيادة كُلّ ثِقَة في الإسناد مقبولة ،
وهكذا الدَّارَقُطْنِيّ يذكر في بَعْض المواضع : (( أن الزيادة من الثِّقَة مقبولة
)) ، ثُمَّ يرد في أكثر([66])
المواضع زياداتٍ كثيرةٍ من الثِّقات، ويرجح الإرسال عَلَى الإسناد ([67])،
فدل عَلَى أن مرادهم زيادة الثِّقَة في مِثْل تِلْكَ المواضع الخاصة، وَهِيَ إذَا
كَانَ الثِّقَة مبرزاً في الحفظ ))([68]) وهذا الكلام
تحقيق جدٌ لصنيع جهابذة المُحَدِّثِيْنَ في الحكم عَلَى زيادة الثِّقَة ؛ إِذْ أن
الَّذِي ينظر في صنيع الأئمة السابقين و المختصين في هَذَا الشأن يراهم لا يقبلونها مطلقاً وَلاَ
يردونها مطلقاً، بَلْ مرجع ذَلِكَ عندهم إِلَى القرائن والترجيح: فتقبل تارة وترد
أخرى . ويتوقف فِيْها أحياناً ؛ قَالَ الحافظ ابن حجر : ((والمنقول عن أئمة
الحَدِيْث المتقدمين–كعبد الرحمان بن مهدي، ويحيى القطان، وأحمد بن حَنْبَل ،
ويَحْيَى بن معين ، وعَلِيّ بن المديني ، والبُخَارِيّ ، وأَبِي زرعة ، وأَبِي
حاتم ، والنَّسَائِيّ ، والدَّارَقُطْنِيّ وغيرهم – اعتبار الترجيح فِيْمَا يتعلق
بالزيادة وغيرها، وَلاَ يعرف عن أحد مِنْهُمْ إطلاق قبول الزيادة ))([69])
.
وهذا هُوَ الصَّوَاب
وَهُوَ الرأي المختار المتوسط الَّذِي هُوَ بَيْنَ القبول والرد، فيكون حكم
الزيادة حسب القرائن المحيطة بِهَا حسب مَا يبدو للناقد العارف بعلل الحَدِيْث
وأسانيده وأحوال الرواة بَعْدَ النظر في ذَلِكَ أما الجزم بوجه من الوجوه من غَيْر
نظر إلى عمل النقاد فذلك فِيهِ مجازفة كبيرة ، قَالَ الزيلعي:(( من الناس من يقبل
الزيادة مطلقاً ، ومنهم من لا يقبلها ، و الصَّحِيح التفصيل ، وَهُوَ أَنَّهَا
تقبل في مَوْضِع دُوْنَ موضع ، فتقبل إذَا كَانَ الرَّاوِي الَّذِي رواها ثِقَة
حافظاً ثبتاً والَّذِي لَمْ يذكرها مِثْلَهُ أو دونه في الثِّقَة ...، وتقبل في
مَوْضِع آخر لقرائن تخصها، ومن حكم في ذَلِكَ حكماً عاماً فَقَدْ غلط، بَلْ كُلّ
زيادة لَهَا حكم يخصها ))([70]).
المطلب الرابع
نماذج من زيادة
الثِّقَة ، و أثرها في اختلاف الفُقَهَاء
النموذج الأول
مَثَّل ابن الصَّلاح
لزيادة الثِّقَة بمثالين
الأول:- قَالَ ابن
الصَّلاح-:(( مثاله مَا رَواهُ مَالِك ، عن نافع ، عن ابن عمر: أن رَسُوْل الله r فرض زكاة الفطر من رمضان عَلَى كُلِّ حرٍ أو عَبْد ، ذكر أو أنثى
من المسلمين فذكر أبو عيسى الترمذي أن مالكاً تفرد من بَيْنَ الثِّقات بزيادة
قوله:(( من المُسْلِمِيْنَ ))([71])
وروى عبيد الله بن عُمَر ، وأيوب ، وغيرهما هَذَا الحَدِيْث ، عن نافع ، عن ابن
عُمَر دُوْنَ هذِهِ الزيادة ))([72]).
ورغم أن لفظة : (( من المُسْلِمِيْنَ )) لا تندرج تَحْتَ مَوْضُوْع زيادة الثِّقَة
، و إنما ذكرناها لأن ابن الصَّلاح مَثّل بِهَا ، فهي لا تخلو من أثر الفقه
الإسلامي ، وسأشرح ذَلِكَ .
أثر الحَدِيْث في
اختلاف الفُقَهَاء
حكم دفع صدقة الفطر عن
الكافر
اختلف الفُقَهَاء
رحمهم الله أيجب عَلَى المُسْلِم أداء زكاة الفطر عمن تلزمه نفقته كزوجة أو مملوك
أو قريب إذَا كانوا غَيْر مسلمين أم لا ؟
القَوْل الأول : لا
يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ و إِلَيْهِ ذهب مَالِك ([73]) والشافعي ([74])
وأحمد ([75])
والزيدية ([76])
وَهُوَ الْمَرْوِيّ عن عَلِيّ ([77])
وجابر ([78])
والحَسَن ([79])
وأَبِي ثور ([80])
وسعيد بن المسيب ([81])
ودليلهم حَدِيث ابن عُمَر t :(( أن رَسُوْل الله r فرض زكاة الفطر من رَمَضَان عَلَى كُلّ حر أو عَبْد ذَكَرَ أو
أنثى من المُسْلِمِيْنَ ))([82]).
وجه الدلالة :وَهُوَ
أن زيادة : (( من المُسْلِمِيْنَ )) خصصت صدقة الفطر الواجبة فهي تجب عَلَى
المسلمين لا غَيْر .
القَوْل الثَّانِي :
يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ و إليه ذهب أبو حَنِيْفَةَ ([83]) والظاهرية ([84])
وَهُوَ المروي عن ابن عَبَّاس ([85])
وأبي هُرَيْرَة ([86])
وابن عُمَر ([87])
وعمر بن عَبْد العزيز ([88])
وعطاء ([89])
وإِبْرَاهِيم النخعي ([90])
وسفيان الثوري ([91])
وإسحاق ([92])
وابن المبارك ([93]).
ودليلهم مَا روي عن
عَبْد الله بن ثعلبة ([94])
قَالَ : خطب رَسُوْل الله r الناس قَبْلَ الفطر بيوم أو يومين، فَقَالَ :(( أدوا صاعاً من بر
أو قمح بَيْنَ اثنين أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير ، عن كُلّ حر و عَبْد ،
وصغير وكبير ))([95]).
ووجه الدلالة أن النَّبيّ r أمر بإخراج الصدقة عن العبد من غَيْر أن يفرق بَيْنَ مُسْلِم و
غيره .
و أجيب بأن إطلاق
حَدِيث عَبْد الله بن ثعلبة مُقَيَّد بحديث عَبْد الله بن عُمَر فَقَدْ جاء عن
البُخَارِيّ مُقَيَّداً بقوله : (من المسلمين) .
و استدلوا بما روي عن
ابن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُوْل الله r : (( صدقة الفطر عن كُلّ صغير
وكبير ، ذكر وأنثى يهودي أو نصراني ، حر أو مملوك، نصف صاع من بر أو صاعاً
من تمر ، أو صاعاً من شعير )) ([96])
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: (( سلام الطويل متروك الحَدِيْث، وَلَمْ يسنده غيره )) .
قُلْتُ : لذا فحديث
ابن عَبَّاس غَيْر صالح للاحتجاج به([97]).
المثال الثَّانِي :
-قَالَ ابن الصَّلاح- : (( ومن أمثلة ذَلِكَ : حَدِيث : (( جعلت لَنَا الأرض
مسجداً وجعلت ترتبتها لَنَا طهوراً ))([98]) فهذه الزيادة
تفرد بِهَا أبو مَالِك : سعد بن طارق الأشجعي([99]) ، وسائر الروايات
لفظها:((وجعلت لَنَا الأرض مسجداً وطهوراً))([100]) فهذا وما أشبهه
يُشبهُ القِسْم الأول من حَيْثُ إن مَا رَواهُ الجماعة عام وما رَواهُ المنفرد
بالزيادة مخصوص ، وَفِي ذَلِكَ مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف بِهَا
الحكم ، ويشبه أيضاً القِسْم الثَّانِي من حَيْثُ إنه لا منافاة بَيْنَهُمَا ))([101]).
وهذا من الحافظ ابن
الصَّلاح نظر دقيق و عميق إذَ لَيْسَ في الحَدِيْث زيادة ذكرها راوٍ لَمْ يذكرها
بقية الرواة عن نَفْس المدار و اتحاد المخرج. إذ إن أبا مَالِك قَدْ تفرد بجملة
الحَدِيْث عن ربعي ، وتفرد ربعي([102])
عن حذيفة بِهِ ، إلا أن في هَذَا الحَدِيْث زيادة عَلَى مَا ذكر في أحاديث أخر عن
صحابة آخرين و للحافظ ابن حجر تعقيب عَلَى صنيع ابن الصَّلاح فَقَدْ قَالَ :((
هَذَا التمثيل لَيْسَ بمستقيم أيضاً ؛ لأن أبا مَالِك قَدْ تفرد بجملة الحَدِيْث
عن ربعي بن حراش t كَمَا تفرد برواية جملته ربعي عن حذيفة t . فإن أراد أن لفظة (تربتها) زائدة في هَذَا الحَدِيْث عَلَى باقي
الأحاديث في الجملة ، فإنه يرد عَلَيْهِ : أَنَّهَا في حَدِيث عَلِيّ t أيضاً ... و إن أراد : أن أبا مَالِك تفرد بِهَا ، و أن رفقته عن
ربعي t لَمْ يذكروها كَمَا هُوَ ظاهر كلامه ، فليس بصحيح ))([103]).
ومع مراد ابن الصَّلاح
أياً كَانَ فإن لهذا الحَدِيْث وزيادته أثراً في الفقه الإسلامي.
اختلف الفُقَهَاء
فِيْمَا يجوز بِهِ التيمم عَلَى قولين :
لا يصح إلا بتراب لَهُ
غبار يعلق باليد ، وبهذا قَالَ ابن عَبَّاس ([104]) ، والشَّافِعيّ
([105])،
وأحمد ([106])،
وإسحاق ([107])،
وأبو يوسف ([108])،
وابن المنذر ([109])
، ودَاوُد ([110])
، والزيدية ([111]).
وروي عن ابن عَبَّاس ، وإسحاق اشتراط أن يَكُون التراب عذباً ([112]).
يجوز التيمم بكل ماكان
من جنس الأرض : وبهذا قَالَ حماد بن سليمان ([113])، و أبو
حَنِيْفَة ([114])،
ومُحَمَّد ([115])،
ويحيى بن سعيد ([116])،
وَقَالَ مَالِك : يجوز بكل مَا كَانَ وجه الأرض ([117]). وَقَالَ
سُفْيَان الثَّوْرِيّ: إن كَانَ في ثوبك أو سرجك أو بردعتك تراب أو عَلَى شجر
فتيمم بهِ ([118]).
يصح حَتَّى بالثلج :
وبه قَالَ كُلّ من مَالِك([119])،
و الأوزاعي([120])،
و الثَّوْرِيّ([121])،
وَفِي رِوَايَة عن مَالِك يصح بكل مَا كَانَ متصلاً بالأرض من النبات([122]).
يجوز التيمم بالرمل :
وَهُوَ رِوَايَة عن الشَّافِعيّ ([123]) ، وأبي يوسف ([124])
، وأحمد ([125])
، والأوزاعي ([126])
، و أبي ثور ([127]).
ومذهب ابن حزم أن
الأرض قسمان تراب وغير تراب فأما التراب فالتيمم بِهِ جائز إن كَانَ في موضعه من
الأرض أما غَيْر التراب من الحصى أو الصفا أو الرخام أو الرمل أو الزرنيخ أو الجص
أو الثلج فإن كَانَ في الأرض غَيْر مزال عَنْهَا إلى شيء آخر فجائز التيمم بِهِ
وإن كَانَ مزالاً عَنْهَا فَلاَ يجوز التيمم به([128]).
مثال آخر للزيادة
المقبولة بسبب كثرة الرواة
رَوَى عَبْد الأعلى ([129])،
عن عبيد الله ([130])
بن عُمَر، عن نافع أن عَبْد الله بن عُمَر كَانَ إذَا دخل في الصَّلاَة كبر ورفع
يديه، وإذَا ركع رفع يديه ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حمده رفع يديه
،وَإِذَا قام من الركعتين رفع يديه، رفع ([131]) ذَلِكَ ابن
عُمَر إلى النَّبيّ r .
هكذا رَواهُ الإِمَام البُخَارِيّ ([132])
وابن حزم ([133])
من طريق عياش ([134])
، وأبو دَاوُد ([135])،
والبيهقي ([136])
من طريق نصر بن عَلِيّ ([137])
، والبيهقي ([138])،
والبغوي ([139])
من طريق إسماعيل بن بشر بن مَنْصُوْر ([140]) ؛ ثلاثتهم (عياش
، ونصر بن عَلِيّ ، و إسماعيل بن بشر) رووه عن عَبْد الأعلى من هَذَا الوجه .
وَقَدْ خولف عَبْد
الأعلى في هَذَا الحَدِيْث مرتين : خولف في رفعه وخولف بذكر زيادة : (( وَإِذَا
قام من الركعتين رفع يديه ))([141]).
فَقَدْ خالفه عَبْد
الله بن إدريس ([142])
وعَبْد الوهاب الثقفي ([143])،
والمعتمر بن سليمان([144])
فرووه عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عُمَر موقوفاً .
وَقَدْ خولف عَبْد
الأعلى لعدم ذكر الزيادة خالفه الإِمَام مَالِك([145])فرواه عن نافع ،
عن ابن عُمَر موقوفاً ، بدون ذكر الزيادة .
وخالفه أيضاً حماد بن
سلمة ([146])
وإبراهيم بن طهمان ([147])
فروياه عن أيوب السختياني ، ورواه ابن طهمان عن موسى بن عُقْبَة[148].
ورواه صالح بن كيسان ([149])
؛ ثلاثتهم ( أيوب ، وموسى ، و صالح) ، عن نافع ، عن ابن عُمَر مرفوعاً ، بدون ذكر
الزيادة .
إلا أن عَبْد الأعلى لَمْ ينفرد بالحديث ، فَقَدْ
توبع عَلَيْهِ متابعات تامة ونازلة ، تابعه عَلَى الرفع و الزيادة محارب بن دثار ([150])
فرواه عن عَبْد الله بن عُمَر
------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق