وهو ثقة ([1])-،
وشيبان بن عبد الرحمان ([2])
-وهو ثقة ([3])-،
فهؤلاء أربعتهم رووه عن يحيى بن أبي كثير ، ولم يذكروا هاتين اللفظتين .
كما أن
الحديث ورد من طريق عبد الله بن أبي قتادة من غير طريق يحيى بن أبي كثير ، ولم
تذكر فيه اللفظتان مما يؤكد ذلك شذوذ رواية معمر بتلك الزيادة ؛ فَقَدْ رَوَاهُ
عثمان بن عَبْد الله بن موهب ([4])
– وَهُوَ ثقة ([5])
- ، وأبو حازم سلمة بن دينار ([6])
- وهو ثقة ([7])
- ، وعبد العزيز بن رفيع ([8])
–وهو ثقة ([9])-
، وصالح بن أبي حسان ([10])
– وهو صدوق ([11])
- ؛ فهؤلاء أربعتهم رووه عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، ولم يذكروا هاتين
اللفظتين ، كما أن هذا الحديث روي من طرق أخرى عن أبي قتادة ، وليس فيه هاتان
اللفظتان : فقد رواه نافع مولى أبي قتادة ([12]) -وهو ثقة ([13])-،
وعطاء بن يسار ([14])
- وهو ثقة ([15])
- ، ومعبد بن كعب بن مالك ([16])
- وهو ثقة ([17])
- ، وأبو صالح مولى التوأمة ([18])
- وهو مقبول ([19])
- فهؤلاء أربعتهم رووه دون ذكر اللفظتين اللتين ذكرهما معمر ، وهذه الفردية
الشديدة مع المخالفة تؤكد شذوذ رواية معمر لعدم وجودها عند أحدٍ من أهل الطبقات
الثلاث .
والذي
يبدو لي أن السبب في شذوذ رواية معمر بن راشد دخول حديث في حديث آخر ؛ فلعله توهم
بما رواه هو عن الزهري، عن عروة، عن يحيى بن عبد الرحمان ابن حاطب، عن أبيه أنه
اعتمر مع عثمان في ركب ، فأهدي له طائر ، فأمرهم بأكله ، وأبى أن يأكل ، فقال له
عمرو بن العاص : أنأكل مما لست منه آكلاً ، فقال : إني لست في ذاكم مثله ، إنما
اصطيد لي وأميت باسمي ([20])
.
فربما
اشتبه عليه هذا الحديث بالحديث السابق ، والله أعلم
أثر
رِوَايَة معمر في اختلاف الفقهاء ( أكل المحرم من لحم الصيد )
اختلف
العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
القول
الأول : ما صاده الحلال للمحرم أو من أجله لا يجوز له أكله ، وما لم يصد له ولا من
أجله فلا بأس بأكله .
وهذا هو
الصحيح عن عثمان في هذا الباب ([21])
، وهو قول عطاء في رواية ، وإسحاق ، وأبي ثور ([22]) .
واستدلوا
بحديث معمر السابق وبحديث جابر عن النبي قال : (( لحم صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصاد
لكم )) ([27])
.
القول
الثاني : يحرم أكل لحم الصيد للمحرم على كل حال .
وهذا
قول علي ، وابن عمر ، وابن عباس ، ومعاذ ، وزيد ، وعائشة ، وطاووس ، وجابر بن زيد
، والليث ، والثوري ، وإسحاق، وداود بن علي، وأبي بكر بن داود ([28]).
وبه قال
الهادوية من الزيدية ([29])
.
واستدلوا
بعموم قوله تعالى : (( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُما
)) ([30])
.
وبحديث
الصعب بن جَثَّامة أنه أهدى لرسول الله حمار وحش بالأبواء أو بودَّان ، فرده عليه ، وقال : (( لم نرده
عليك إلا أنا حرم )) ([31])
.
القول
الثالث : يحل للمحرم أكل ما صاده الحلال إذا لم يعنه ، حتى ولو صاده من أجله .
وهذا
قول عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان في رواية ، وابن مسعود ، وأبي هريرة ، والزبير
بن العوام ، وكعب الأحبار ، وطلحة ، وأبي ذر ، وابن عمر في رواية ، وعطاء في رواية
، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والليث في رواية ([32]) .
وبه قال
الحنفية ([33])
، والظاهرية ([34])
.
المبحث
الرابع
اختلاف
الضعيف مع الثقات وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء
إذا
خولف الثقة في حَدِيْث من الأحاديث فهنا مسألة يأخذها النقاد بنظر الاعتبار
فيوازنون ويقارنون بَيْنَ المختلفين فإذا خولف الثقة من قِبَلِ ثقة آخر فيحكم
حينئذٍ لرواية من الروايات بحكم يليق بِهَا وكذا تأخذ المقابلة الحكم بالضد أما
إذا خولف الثقة برواية ضعيف من الضعفاء ، فلا يضر حينئذٍ الاختلاف لرواية الثقة ؛
إذ إن رِوَايَة الثقات لا تعل برواية الضعفاء ([35]) ؛ فرواية
الثقة معروفة ورواية الضعيف منكرة فعلى هَذَا المنكر من الْحَدِيْث هُوَ : المنفرد
المخالف لما رَوَاهُ الثقات ([36])
قَالَ الإمام مُسْلِم : (( وعلامة المنكر في حَدِيْث المحدّث إذا ما عرضت روايته
للحديث عَلَى رِوَايَة غيره من أهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم أو لَمْ تكد
توافقها )) ([37])
.
وعليه
فإن رِوَايَة الضعيف شبه لا شيء أمام رِوَايَة الثقات الأثبات ولا تعل الرِّوَايَة
الصحيحة بالرواية الضعيفة ، وَقَدْ وجدنا خلال البحث والسبر أن بعض العلماء قَدْ
عملوا بأحاديث بعض الضعفاء وَهِيَ مخالفة لرواية الثقات ، ومثل هَذَا يحمل عَلَى
حسن ظنهم برواية الضعيف وعلى عدم اطلاعهم عَلَى رِوَايَة الثقات .
مثال
ذَلِكَ :
ما
رَوَاهُ أبو سعيد يحيى بن سليمان الجعفي ([38])، قَالَ:
حَدَّثَنِي ابن وهب ([39])،
قَالَ: أخبرني يحيى بن أيوب([40])،
عن يحيى بن سعيد، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري([41])، عن أبيه ([42])
(( أن الصعب بن جَثامة ([43])
أهدى للنبي r
عجز حمار وحش ، وَهُوَ بالجُحْفَة ([44]) فأكل
مِنْهُ وأكل القوم )) ([45])
.
فهذا
الْحَدِيْث مخالف لرواية الثقات ، وفيه راويان فيهما مقال :
الأول :
يحيى بن أيوب الغافقي :
فهو وإن
حسّن الرأي فِيْهِ جَمَاعَة من
الْمُحَدِّثِيْنَ فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِ
آخرون ، فَقَدْ ضعّفه أبو زرعة ([46])، والعقيلي
([47])،
وَقَالَ أحمد : كَانَ سيء الحفظ ([48])،
وَقَالَ أبو حاتم : (( محله الصدق يكتب حديثه ولا يحتج بِهِ )) ([49])،
وَقَالَ النسائي: (( ليس بذاك القوي )) ([50])، وَقَالَ
ابن سعد : (( منكر الْحَدِيْث )) ([51])،
وَقَالَ الذهبي: (( حديثه فِيْهِ مناكير
))([52])،
وَقَالَ ابن القطان : (( هُوَ ممن قَدْ علمت حاله ، وأنه لا يحتج بِهِ لسوء حفظه
)) ([53])
، وَقَالَ : (( يحيى بن أيوب يضعف )) ([54]) ، وَقَالَ
الدَّارَقُطْنِيّ : (( في بعض حديثه اضطراب )) ([55]) ، وَقَدْ
ضعفه ابن حزم ([56])
.
الثاني
: يحيى بن سليمان الجعفي :
قَالَ
عَنْهُ أبو حاتم : (( شيخ )) ([57])
، وَقَالَ النسائي : (( ليس بثقة )) ([58]) .
وذكره
ابن حبان في " الثقات " وَقَالَ : (( ربما أغرب )) ([59]).
ومع
تفرد هذين الراويين بهذا الْحَدِيْث فَقَدْ خالفا الثقات في روايته قَالَ ابن
القيم عن هَذِهِ الرِّوَايَة : (( غلط بلا شك ، فإن الواقعة واحدة ، وَقَد اتفق
الرُّوَاة أنه لَمْ يأكل مِنْهُ، إلا هَذِهِ الرِّوَايَة الشاذة المنكرة )) ([60])
.
والرواية
المعروفة الصَّحِيْحة هِيَ ما وردت برواية الجم الغفير عن ابن شهاب الزهري، عن
عبيد الله بن عَبْد الله بن عتبة بن مسعود ، عن عَبْد الله بن عَبَّاسٍ ، عن الصعب
بن جثامة الليثي ، أنه أهدى لرسول الله r
حماراً وحشياً وَهُوَ بالأبواء ([61])
، أو بودان ([62])،
فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه قَالَ: (( إنا لَمْ نرده عليك إلا أنا حرم )) ([63]).
أثر
هَذَا الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء
هَذِهِ
الرِّوَايَة المخالفة لرواية الثقات كانت إحدى الأدلة لِمَنْ قَالَ بجواز أكل لحم
الصيد للمحرم إذا لَمْ يعنه ، حَتَّى وَلَوْ صاده من أجله ، وَقَدْ سبق تفصيل
المسألة في المبحث السابق فانظرها هناك .
المثال
الآخر :
تفرد
أبو هلال مُحَمَّد بن سليم([64])
بحَدِيْث ، عن عَبْد الله بن سوادة ([65]) ، عن أنس
بن مالك من بني عَبْد الله بن كعب ، قَالَ : (( أغارت علينا خيل رَسُوْل الله r ، فأتيت رَسُوْل الله r وَهُوَ يتغدى فَقَالَ : (( أدن فكل )) قلت :
إني صائم ، قَالَ : (( اجلس أحدثك عن الصوم أو الصيام ، إن الله U
وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم ، أو الصيام … )) .
رَوَاهُ
بهذه الرِّوَايَة : ابن أبي شيبة ([66])
، وابن سعد ([67])
، وأحمد ([68])
، وعبد بن حميد([69])
، وأبو داود ([70])
، وابن ماجه ([71])
، والفسوي ([72])
، وابن أَبِي عاصم ([73])
، وعبد الله بن أحمد ([74])
، وابن خزيمة ([75])،
والطحاوي ([76])،
وابن قانع ([77])
، والطبراني ([78])
، وابن عدي ([79])
، وأبو نعيم ([80])
، والبيهقي ([81])
، والمزي ([82]).
ورواه
الترمذي ([83])
من هَذَا الطريق دون أن يذكر ( عن المسافر ) الثانية وهذه اللفظة – أي : ( عن
المسافر ) – منكرة وذلك لتفرد أبي هلال بِهَا وَهُوَ : مُحَمَّد بن سليم الراسبي ،
وثقه أبو داود ([84])
، وَكَانَ عَبْد الرحمان يحدّث عَنْهُ ، ولكن كَانَ يحيى لا يحدث عَنْهُ ([85])
، وَقَالَ ابن سعد : (( فِيْهِ ضعف )) ([86])
، وَقَالَ أحمد : (( احتمل حديثه )) ([87]) ، وأورده
البخاري في " الضعفاء الصغير " ([88]) ، وَقَالَ
أبو حاتم : (( محله الصدق وَلَمْ يَكُنْ بذاك المتين )) ([89]) ، وَقَالَ
أبو زرعة : (( لين )) ([90])
، وَقَالَ النسائي : (( ليس بقوي )) ([91]) ، وساق
لَهُ ابن عدي في " الكامل " ([92]) عدداً من
المناكير ثُمَّ قَالَ : (( ولأبي هلال غَيْر ما ذكرت ، وفي بعض رواياته ما لا
يوافقه الثقات عليه )) ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : (( ضعيف )) ([93])
، وأورده ابن حبان في " المجروحين " ([94]) ، وَقَالَ
: (( وَكَانَ أبو هلال شيخاً صدوقاً ، إلا أنه كَانَ يخطئ كثيراً من غَيْر تعمد
حَتَّى صار يرفع المراسيل ولا يعلم … وأكثر ما كَانَ يحدث من حفظه، فوقع المناكير
في حديثه من سوء حفظه ، وَقَالَ ابن حجر : (( صدوق فِيْهِ لين )) )) ([95]).
فَقَدْ
رَوَاهُ وهيب بن خالد ، عن عَبْد الله بن سوادة ، عن أبيه ، عن أنس ، بِهِ عِنْدَ
النسائي ([96])
، والفسوي ([97])
، والبيهقي ([98])
.
ورواه
سفيان الثوري ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك القشيري ، بِهِ عِنْدَ
البخاري في " تاريخه " ([99])
، والنسائي ([100])
، وابن خزيمة ([101])،
والطبري ([102])،
والبيهقي ([103])
.
وروي من
طرق أخرى عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن رجل من بني عامر ، عن أنس في بعض الروايات،
عن أبي قلابة، عن رجل قَالَ: حَدَّثَنِي قريب لي يقال لَهُ أنس بن مالك، بِهِ
عِنْدَ عَبْد الرزاق ([104])،
وأحمد ([105])
، والبخاري في " تاريخه " ([106]) ،
والنسائي ([107])
، وابن خزيمة ([108])
، والطبراني ([109])
، وللحديث طرق أخرى ([110])
.
كُلّ
هَذِهِ الروايات ليس فِيْهَا لفظة (( عن المسافر )) الَّتِيْ في رِوَايَة أَبِي
هلال ، كَمَا ويكفي لرد هَذِهِ الزيادة حذف الترمذي لها مع أنها ثابتة من طريقه
وَقَدْ حسن الْحَدِيْث بدونها ([111])
.
وَقَدْ
وجدت لأبي هلال متابعة عَلَى روايته عِنْدَ الطبراني ([112])
من طريق أشعث بن سوار، عن عَبْد الله بن سوادة، عن أنس بن مالك القشيري ، بِهِ ،
وهذه المتابعة لا تعضد رِوَايَة أبي هلال لضعف أشعث بن سوار فَقَدْ ضعّفه أحمد بن
حَنْبَل ([113])،
وأبو زرعة ([114])
، والنسائي ([115])
، والدارقطني ([116])
.
أثر
الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء ( حكم صوم المسافر )
إِذَا
سافر المكلف في رَمَضَان سفراً تتغير بِهِ الأحكام الشرعية ، فهل إن فطره من صومه
رخصة أم حتم ؟ اختلف الفقهاء في هَذَا عَلَى ثلاثة أقوال :
القول
الأول :
لا يجوز
للمسافر صوم رَمَضَان في سفره ، وَلَوْ صامه لَمْ يصح وَعَلَيْهِ قضاؤه . وإلى
هَذَا ذهب الظاهرية ([117])
، والإمامية ([118])
.
القول
الثاني :
إن إفطار
المسافر في رَمَضَان رخصة ، إن شاء أفطر وإن شاء صام ، لَكِن الفطر أفضل . وإليه
ذهب أحمد ([119]).
القول
الثالث :
إن
الفطر رخصة ، والصيام أفضل بشرط عدم الضرر والتلف . وبه قَالَ جمهور الفقهاء .
وإليه ذهب أبو حَنِيْفَةَ ([120])
، ومالك ([121])
، والشافعي ([122])
، والزيدية ([123]).
واستدل
أصحاب المذهب الأول بزيادة (( المسافر )) الثانية في حَدِيْث أبي هلال ، وَقَدْ
بينا نكارة هَذِهِ اللفظة فَلَمْ يصح الاحتجاج بِهَا ([124]).
المبحث
الخامس : الإدراج ، وأثره في اختلاف الفقهاء
وفيه
خَمسة مطالب :
المطلب
الأول : تعريفه .
المطلب
الثاني : أنواعه .
المطلب
الثالث : كيف يقع الإدراج أو أسباب وقوع الإدراج
المطلب
الرابع : طرق الكشف عن الإدراج .
المطلب
الخامس : حكم الإدراج .
المطلب
الأول : تعريفه
المُدْرَجُ
لغة – بضم الميم وفتح الراء - : اسم مفعول من ( أدرج ) ، تقول : أدرجت الكتاب إذا
طويته ، وتقول : أدرجت الميت في القبر إذا أدخلته فِيْهِ ، وتقول : أدرجت الشيء في الشيء إذا أدخلته
فِيْهِ وضمنته إيّاه ([125])
.
قَالَ
ابن فارس: (( الدال والراء والجيم أصل واحد يدل عَلَى مُضِيِ الشيء والمُضِيِّ في
الشيء )) ([126])
.
ودَرَجَ
الشيءَ في الشيء : أدخله في ثناياه ([127])، ومنه :
الدَّرَجة وَهِيَ المرقاة ؛ لأنها توصل إلى الدخول في الشيء حسياً أو معنوياً ،
فهي من باب تسمية السبب بنتيجته .
وفي
اصطلاح الْمُحَدِّثِيْنَ : هُوَ ما كانت فِيْهِ
زيادة ليست مِنْهُ .
أو هُوَ
الْحَدِيْث الَّذِيْ يعرف أن في سنده أو متنه زيادة ليست مِنْهُ ، وإنما من أحد
الرُّوَاة من غَيْر توضيح لهذه الزيادة ([128]) .
العلاقة
بَيْنَ المعنى اللغوي والاصطلاحي :
وجدنا
أن معنى الفعل الثلاثي المجرد ( دَرَجَ ) يدور عَلَى أمرين :
طوي
الشيء .
إدخال
الشيء في الشيء .
وكأنَّ
المُدْرِج طوى البيان ، فَلَمْ يوضّح تفصيل الأمر في الْحَدِيْث . أو كأنه أدخل
الْحَدِيْث في الْحَدِيْث ، فالاستعمال الاصطلاحي باقٍ عَلَى الوضع اللغوي الأول ،
وَلَمْ يخرج إلى المجاز .
المطلب
الثاني : أنواعه
يتفق
الباحثون والكتّاب في مجال علوم الْحَدِيْث عَلَى جعل المدرج عَلَى أنواع . لَكِنْ
تقسيمهم لهذه الأنواع يختلف زيادة ونقصاً ، كَمَا يختلف باعتبار الحيثيات الَّتِيْ
ينبني عَلَيْهَا ذَلِكَ التقسيم .
وهكذا
نجد الحافظ ابن الصَّلاَحِ يصدر كلامه عن المدرج بقوله : (( وَهُوَ أقسام ،
مِنْهَا ما أدرج في حَدِيْث رَسُوْل الله r
من كلام بعض رواته بأن يذكر الصَّحَابِيّ أو مَنْ بعده عقيب ما يرويه من
الْحَدِيْث كلاماً من عِنْدَ نفسه ، فيرويهِ مَنْ بعده موصولاً بالحديث غَيْر فاصل
بينهما بذكر قائله ، فيلتبس الأمر فِيْهِ عَلَى من لا يعلم حقيقة الحال ، ويتوهم
أن الجميع عن رَسُوْل الله r
))([129])
.
فنراه
قيّد وقوع الإدراج بكونه عقب الْحَدِيْث ، والحق أن هَذَا التنظير خلاف الواقع ،
وإذا كَانَ غالب الإدراج أن يقع عقب الْحَدِيْث ، فليس هَذَا مسوغاً لحصر الإدراج
بِهِ ، فنجد أنه قَدْ يقع في أول الْحَدِيْث كَمَا يقع وسطه وآخره . زدْ على أنه
يقع في الإسناد أَيْضاً لا كَمَا يوهم كلام ابن الصَّلاَحِ من انحصاره بالمتن
فَقَطْ . وعلى هَذَا يدل صنيع الْخَطِيْب البغدادي في كتابه " الفصل للوصل
المدرج في النقل " ([130])
.
وتأسيساً
عَلَى ما مضى يمكننا أن نقسم الإدراج من حَيْثُ مكان وقوعه إلى نوعين:
النوع
الأول : الإدراج في الْمَتْن .
النوع
الثاني : الإدراج في السند .
النوع
الأول : الإدراج في الْمَتْن :
وَهُوَ
أن تقع الزيادة في متن الْحَدِيْث دون إسناده .
ويمكن
تقسيم هَذَا النوع باعتبار مكان وقوعه من الْمَتْن إلى ثلاثة أقسام ([131]):
أن يقع
الإدراج في أول الْمَتْن .
أن يقع
الإدراج في وسط الْمَتْن .
أن يقع
الإدراج في آخر الْمَتْن .
فمثال
ما وقع الإدراج في أول الْمَتْن حَدِيْث أبي هُرَيْرَة t
عن رَسُوْل الله r
:
(( أسبغوا الوضوء ، ويل للأعقاب من النار )) .
فرواه
الْخَطِيْب البغدادي في كتابه " الفصل " ([132])
من طريق أبي قطن وشبابة –فرّقهما– عن شعبة ، عن مُحَمَّد بن زياد ، عن أبي
هُرَيْرَة ، بِهِ .
فقوله :
(( أسبغوا الوضوء )) مدرج من كلام أبي هُرَيْرَة ، نص عَلَى هَذَا الْخَطِيْب
وغيره فَقَالَ : (( وَهِمَ أبو قطن عمرو بن الهيثم وشبابة بن سوار في روايتهما
هَذَا الْحَدِيْث عن شعبة عَلَى ما سقناه ، وذلك أن قوله: (( أسبغوا الوضوء ))
كلام أبي هُرَيْرَة ، وقوله: (( ويل للأعقاب من النار )) كلام النَّبِيّ r
))([133])
.
وَقَدْ
رَوَى هَذَا الْحَدِيْث عن شعبة عامة أصحابه فبينوا أن هَذِهِ الزيادة من كلام
أبي هُرَيْرَة ، وهم :
آدم بن
أبي إياس ، عِنْدَ البخاري ([134])
.
حجاج بن
مُحَمَّد ، عِنْدَ أَحْمَد ([135])
.
أبو
داود الطيالسي ، كَمَا في " مسنده " ([136]) .
معاذ بن
معاذ ([145])
، عِنْدَ الْخَطِيْب ([146])
.
النضر
بن شميل ([147])،
عِنْدَ الْخَطِيْب ([148])
.
هاشم بن
القاسم ، عِنْدَ الدارمي ([149])
.
هشيم بن
بشير ، عِنْدَ الْخَطِيْب ([150])
.
وهب بن
جرير ، عِنْدَ الْخَطِيْب في " الفصل " ([154])
.
يحيى بن
سعيد ، عِنْدَ أَحْمَد ([155]).
وَقَدْ
رَوَاهُ البخاري –كَمَا مضى– من طريق آدم بن أبي إياس ، عن شعبة ، عن مُحَمَّد بن
زياد ([158])
، عن أبي هُرَيْرَة ، قَالَ : أسبغوا الوضوء ، فإن أبا القاسم r
قَالَ : (( ويل للأعقاب من النار ))
فهؤلاء
خمسة عشر نفساً من أصحاب شعبة اتفقوا عَلَى جعل قوله : (( أسبغوا الوضوء )) من
كلام أبي هُرَيْرَة، في حين أخطأ أبو قطن وشبابة فأدرجاه في الْحَدِيْث ([159]).
وهذا
القسم أقل الأقسام وروداً ، وَهُوَ قليل جداً ، الأمر الَّذِيْ دفع الحافظ ابن حجر
لأن يقول: (( وفتشت ما جمعه الْخَطِيْب في المدرج، ومقدار ما زدت عليه مِنْهُ
فَلَمْ أجد لَهُ مثالاً آخر إلا ما جاء في بعض طرق حَدِيْث بسرة الآتي من رواية
مُحَمَّد بن دينار ([160])،
عن هشام بن حسان )) ([161])
.
وهذا
يناقض قَوْل ابن الجلال المحلي وَهُوَ يتحدث عن الإدراج في أول الْحَدِيْث :
(( وَهُوَ أكثر مِمَّا في وسطه ؛ لأن الرَّاوِي يقول كلاماً يريد أن يستدل عليه
بالحديث فيأتي بلا فصل ، فيتوهم أن الكل حَدِيْث )) ([162])
.
ومثال
ما وقع الإدراج في وسطه ما رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ في " سننه " ([163])
من طريق عَبْد الحميد بن جعفر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن بسرة بنت صفوان ،
قالت : سَمِعْتُ رَسُوْل الله r
يقول : (( مَنْ مَسّ ذَكَرَهُ ، أو أنثييه أَوْ رفغه فليتوضأ )) .
فَقَدْ
أدرج عَبْد الحميد بن جعفر ذكر (( الأنثيين والرفغ )) في الْحَدِيْث المرفوع، قال
الدَّارَقُطْنِيّ : (( والمحفوظ أن ذَلِكَ من قول عروة غَيْر مرفوع )) ([164])
.
وَقَالَ
الْخَطِيْب البغدادي : (( وذكر الأنثيين والرفغين ليس من كلام رَسُوْل الله r،
وإنما من قول عروة بن الزبير فأدرجه الرَّاوِي في متن الْحَدِيْث وَقَدْ بيّن
ذَلِكَ حماد بن زيد وأيوب السختياني في روايتهما عن هشام )) ([165])
.
فوهم
عَبْد الحميد بن جعفر وأدرج كلام عروة في الحديث، في حين اقتصر الثقات من أصحاب
هشام عَلَى ذكر (( الذَّكَر )) ، وهم :
أبو
أسامة حماد بن أسامة، وروايته عِنْدَ الترمذي ([166])، وابن
خزيمة ([167])،
وابن الجارود([168])،
والطبراني ([169])
.
إِسْمَاعِيْل
بن عياش، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ ([170]).
أيوب
السختياني ، وسيأتي التفصيل في طريقه .
حماد بن
زيد ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ ([173])،
والطبراني ([174])
، والحاكم ([175])
، والخطيب ([176]).
حماد بن
سلمة ، عِنْدَ الطبراني ([177])
.
سعيد بن
عَبْد الرَّحْمَان ([182])
، عِنْدَ البيهقي ([183])
.
سفيان
بن سعيد الثوري ، عِنْدَ ابن حبان ([184]) ،
والدارقطني ([185])
، والطبراني ([186])
.
عَبْد
الله بن إدريس ، عِنْدَ ابن ماجه ([192]) ،
والطبراني ([193])
.
علي بن
مسهر ، عِنْدَ الطبراني ([196])
.
عنبسة
بن عَبْد الواحد ([197])
، عِنْدَ الْحَاكِم ([198])
، والبيهقي ([199])
.
المنذر
بن عَبْد الله ([200])
، عِنْدَ الْحَاكِم ([201])
.
وهيب بن
خالد ، عِنْدَ الطبراني ([202]).
يحيى بن
سعيد القطان ، عِنْدَ الطبراني ([203])
.
يزيد بن
سنان ([204])
، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ ([205])
.
فهؤلاء
ثمانية عشر نفساً من أصحاب هشام رووه عَنْهُ مقتصرين عَلَى (( الذَّكَر )) من
غَيْر إدراج للرفغ والأنثيين في المرفوع مِنْهُ .
أما
رِوَايَة أيوب الَّتِيْ أرجأنا الكلام عَنْهَا ، فَقَدْ رَوَى الْحَدِيْث عن أيوب
يزيد بن زريع ، واختلف عَلَى يزيد في روايته وأكثر الرُّوَاة عَنْهُ يروونه عَنْهُ
، عن أيوب ، عن هشام من غَيْر إدراج وهم :
أَحْمَد
بن عبيد الله العنبري ([206])
، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ ([207])
.
أَحْمَد
بن المقدام ([208])
، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ ([209])
.
عمرو بن
علي ، عِنْدَ الْخَطِيْب ([212])
.
لذا
عدَّ الْخَطِيْب أيوب ممن بَيّنَ الإدراج في الْحَدِيْث ([213])
.
في حين
أن أبا كامل الجحدري رَوَاهُ عن يزيد بن زريع ، عن أيوب مدرجاً ، كَمَا أخرجه
الطبراني ([214])
، فعاد الْخَطِيْب فعدّ أيوب ممن أدرج الْحَدِيْث ([215])
.
فالذي
يترجح رِوَايَة الجمع عن أيوب ، فيعدّ أيوب ممن بيّن الإدراج ، وبالتالي فتترجح
رِوَايَة الجمع ممن بَيّنَ الإدراج في روايتهم عن هشام بن عروة ، ويؤيد هَذَا
قَوْل الْخَطِيْب : (( رَوَى كافة أصحاب هشام بن عروة عَنْهُ حَدِيْث الوضوء من مس
الذكر خاصة ، وَلَمْ يذكر أحد مِنْهُمْ الأنثيين والرفغين في روايته )) ([216])
.
وَقَدْ
حكم الْخَطِيْب البغدادي عَلَى عَبْد الحميد بن جعفر بتفرده بالإدراج عن هشام بن
عروة ([217]).
واعترض عليه الحافظ العراقي برواية أبي كامل الجحدري ([218])
الَّتِيْ مضى الكلام عَلَيْهَا ، وبرواية ابن جريج ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ،
عن مروان ، عن بسرة بلفظ : (( إذا مس أحدكم ذكره أو أنثييه )) ([219]).
والذي
يبدو أن حكم الْخَطِيْب حكم مقيد لا مطلق ، والمقيد ذهني إِذْ أنه عنى التفرد من
طريق يعتد بِهَا ، أما هاتان الطريقان فلا اعتماد عليهما لما يأتي :
أما
رِوَايَة أبي كامل فَقَدْ بينا أنه خالف فِيْهَا جمهور الرُّوَاة عن أيوب ، فلا
يلتفت إِلَيْهَا . وأما رِوَايَة ابن جريج فَقَدْ حكم الدَّارَقُطْنِيّ والحافظ
ابن حجر عَلَيْهَا بالإدراج أَيْضاً ([220]) .
وهناك
طريقان آخران عن هشام بن عروة ورد فيهما الإدراج ([221]) :
فَقَدْ
رَوَى مُحَمَّد بن دينار ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن بسرة هَذَا الْحَدِيْث
مدرجاً ، وروايته أخرجها : الطبراني ([222]) ،
والدارقطني ([223])
.
ومحمد
بن دينار ليس ممن يعتمد عَلَى حفظه ([224]) .
وروى
هشام بن حسان ، عن هشام بن عروة ، عن أَبِيْهِ ، عن بسرة مدرجاً. وَقَدْ رَوَاهُ
عن هشام هكذا مدرجاً اثنان من أصحابه هما ([225]) :
عَبْد
الأعلى بن عَبْد الأعلى ، حَيْثُ رَوَاهُ ابن شاهين في كتاب " الأبواب "
من طريق ابن أبي داود ويحيى بن صاعد –كلاهما– عن مُحَمَّد بن بشار ، عن عَبْد
الأعلى ، عن ابن حسان ([226])
.
ورواه
الدَّارَقُطْنِيّ في " العلل " ([227]) من طريق
عَبْد الله بن بزيع ، عن هشام بن حسان ، بِهِ .
والظاهر
أن هشام بن حسان لَمْ يضبط الْحَدِيْث جيداً ، إِذْ رَوَاهُ يزيد بن هارون عَنْهُ
بلفظ: (( إذا مس أحدكم ذكره ، أو قَالَ : فرجه ، أو قَالَ : أنثييه ، فليتوضأ ))
رَوَاهُ ابن شاهين([228])
في كتاب " الأبواب "([229])
، والدارقطني في " العلل " ([230]) .
قَالَ
ابن حجر : (( فتردده يدل عَلَى أنه ما ضبطه )) ([231]) .
وَقَدْ
رَوَاهُ عمار بن عمر ، عن هشام بن حسان ، من غَيْر إدراج ، وروايته أخرجها
الطبراني في " الكبير " ([232]) ،
والدارقطني في " العلل " ([233]) .
فانتهت
نتيجة البحث إلى ضعف المتابع الأول ، وعدم ضبط الثاني ([234])
.
وَقَدْ
كَانَ لهذا الْحَدِيْث أثر في اختلاف الفقهاء تقدم الكلام عَنْهُ في الفصل الثاني
المبحث الثالث : ما تعم بِهِ البلوى ، ولا نريد إعادته بغية عدم الإطالة .
ومثال
ما وقع الإدراج في آخر الْحَدِيْث: ما رَوَاهُ زهير بن معاوية، عن الحسن بن الحر ([235])
، عن القاسم بن مخيمرة ([236])،
عن علقمة ، عن عَبْد الله بن مسعود أن رَسُوْل الله r
علّمه التشهد في الصلاة ، فَقَالَ : (( قل : التحيات لله .. فذكر الْحَدِيْث )).
وفي آخره : (( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رَسُوْل الله ، فإذا قلت
هَذَا فَقَدْ قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت أن تقعد فاقعد )) ([237])
.
فزيادة
: (( فإذا قلت هَذَا … )) إلى نهاية
الرِّوَايَة ، مدرجة من قَوْل ابن مسعود ، أدرجها زهير بن معاوية في روايته عن
الحسن بن الحر ، نصَّ عَلَى هَذَا جمع من الحفاظ مِنْهُمْ : الدَّارَقُطْنِيّ ([238])
، والحاكم ([239])
، والبيهقي ([240])،
والخطيب البغدادي ([241])،
ونقل النووي في " الخلاصة " اتفاق الحفاظ عَلَى إدراجها ([242])
.
واستدل
الحافظ ابن الصلاح عَلَى الإدراج بقوله : (( ومن الدليل عليه أن الثقة الزاهد([243])
عَبْد الرحمان بن ثابت بن ثوبان ([244]) ، رَوَاهُ
عن راويه الحسن بن الحر كذلك ، واتفق حسين الجعفي([245]) وابن
عجلان وغيرهما في روايتهم عن الحسن بن الحر عَلَى ترك ذكر هَذَا الكلام في آخر
الْحَدِيْث ، مع اتفاق كُلّ من رَوَى التشهد عن علقمة – وعن غيره – عن ابن مسعود
عَلَى ذَلِكَ ، ورواه شبابة ، عن أبي خيثمة ففصله أَيْضاً )) ([246])
.
وهذا
كلام مجمل بيانه فِيْمَا يأتي :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق