فرواه عن عَبْد الله
بن عُمَر . وتوبع عَلَى ذكر الزيادة أيضاً ، لَكِنْ من طرق موقوفة عَلَى ابن عُمَر
، تابعه ابن جريج ([1])،
والليث بن سعد ([2])
متابعة نازلة عن نافع إلا أنهم رووه موقوفاً . وَقَدْ توبع عَبْد الأعلى بذكر
الزيادة و الرفع فرواه معتمر بن سليمان ([3])، عن عبيد الله بن
عَبْد الله ، عن الزُّهْرِيّ ، عن سالم، عن ابن عُمَر، بِهِ .
وعبد الوهاب الثقفي ([4])،
عن عبيد الله ، عن الزُّهْرِيّ ، عن نافع ، عن ابن عمر ، بِهِ . ثُمَّ إن لحديث
عَبْد الأعلى بزيادته شواهد من حَدِيث أبي حميد الساعدي ([5])، والإِمَام عَلِيّ
([6])
، و أبي هُرَيْرَةَ ([7]).
وهناك شاهد أخرجه أبو
داود ([8])،
قَالَ : حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن لهيعة ، عن أبي هبيرة ([9])،
عن ميمون المكي ([10])،
أَنَّهُ رأى عَبْد الله بن الزُّبَيْر وصلى بهم يشير بكفيه حِيْنَ يقوم ، وحين
يركع ، وحين يسجد ، وحين ينهض للقيام ، فيقوم فيشير بيديه ، فانطلقت إلى ابن
عَبَّاس فقلت: إني رأيت ابن الزُّبَيْر صلى صلاة لَمْ أر أحداً يصليها، فوصفت لَهُ
هذِهِ الإشارة ، فَقَالَ: إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رَسُوْل الله r فاقتد بصلاة عَبْد الله بن الزُّبَيْر .
وابن لهيعة وإن كَانَ
فِيهِ مقال ، إلا أن رِوَايَة قتيبة بن سعيد عَنْهُ جيدة ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ
الإمام المبجل أحمد بن حَنْبَل ([11])
. وَقَدْ اعترض عَلَى
هَذَا الحَدِيْث صاحب عون المعبود فَقَالَ : (( هَذَا يدل عَلَى مشروعية الرفع
عِنْدَ القيام من السجود ، لَكِنَّهُ مَعَ ضعفه معارض بحديث ابن عُمَر المروي في
صَحِيْح البُخَارِيّ ، وفيه : (( ولايفعل ذَلِكَ حِيْنَ يسجد وَلاَ حِيْنَ يرفع
رأسه من السجود )) ))([12])
.
لَكِن الَّذِي يبدو لي
: أن لا معارضة بَيْنَ الحديثين فيحمل حَدِيث ابن الزُّبَيْر عَلَى العموم ، وحديث
ابن عُمَر مخصص لَهُ فخرج من العموم إلى الخصوص ، وهذا أولى من ادعاء التعارض .
أثر هَذَا الحَدِيْث
في اختلاف الفُقَهَاء
حكم رفع اليدين في
الصَّلاَة
هناك مواضع متعددة
ترفع فِيْهَا الأيدي في الصَّلاَة حصل بَيْنَ العُلَمَاء خِلاَف كبير في مشروعيتها
، وسأبحث هَذَا في مسائل
المسألة الأولى : رفع
اليدين عِنْدَ الركوع وعند الرفع مِنْهُ
اختلف الفُقَهَاء في
هَذَا عَلَى قولين :
القَوْل الأول:
تُرْفَعُ اليدان عِنْدَ الركوع و عِنْدَ الرفع مِنْهُ . وَهُوَ قَوْل أبي بَكْر ،
وعمر ، وعلي ، وأنس ، وأبي سعيد الخُدْرِيّ ، وجابر بن عَبْد الله، وابن عَبَّاس ،
وأبي هُرَيْرَة ، وأبي موسى الأشعري، وابن عُمَر ، وعبد الله بن عَمْرو ، ووائل بن
حُجر ، وأبي قتادة الأنصاري ، وأَبِي الدرداء ، وسهل بن سعد ، وأبي أسيد ، ومالك
بن الحويرث ، ومحمد بن مسلمة ، وعَبْد الله بن الزُّبَيْر ، وعقبة بن عامر ، وعبد
الله بن جابر البياضي ، وأم الدرداء ، وأَبِي حميد الساعدي ، وأبي قلابة ، وابن
الزُّبَيْر ، والحَسَن البصري ، وابن عينية ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، ونافع ،
وسالم بن عَبْد الله ، وسعيد بن جبير ، وعبيد الله بن عُمَر ، وقتادة ، ومكحول ،
وابن سيرين ، والليث بن سعد ، والقاسم بن مُحَمَّد ، وعَبْد الله بن المبارك ،
وأصحابه وهم (عَلِيّ بن حسين ، وعبد الله بن عُمَر ، ويَحْيَى بن يَحْيَى)،
والأوزاعي، وعمر بن عَبْد العزيز، وإسحاق، وأبي ثور ، والنُّعْمَان بن أبي عياش ،
وعبد الله بن دينار ، وابن أبي نجيح ، والحَسَن بن مُسْلِم ، وقيس بن سعد ، وعلي
بن عَبْد الله ، وهشام بن الحَسَن ، ومعتمر بن سليمان ، ومحمد بن جرير الطبري،
وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، ويحيى القطان ، وعَبْد الرحمان بن مهدي ، وإسماعيل بن
عُلية ، وعُمَر بن هارون ، والنضر بن شميل ، والحميدي ، والبُخَارِيّ ، ومحدثي أهل
بخارى وهم ( عيسى بن موسى ، وكعب بن سعيد ، ومحمد بن سلام، وعَبْد الله بن
مُحَمَّد المسندي ) ، وجرير بن عَبْد الحميد ، وابن وهب ، ومحمد بن نصر المروزي ،
وعَبْد الرحمان بن سابط، والربيع ، ومُحَمَّد بن نمير، ويَحْيَى بن معين ، وعَلِيّ
بن المديني، وابني عَبْد الله بن عَبْد الحكم ([13]) وإليه ذهب
الشَّافِعيّ ([14])
وأحمد ([15])
وابن حزم ([16])
وَهُوَ رِوَايَة عن مَالِك ([17])
واستدلوا بحديث ابن عُمَر المتقدم ([18]).
قَالَ الشَّافِعيّ: ((
وَقَدْ رَوَى هَذَا سوى ابن عُمَر اثنا عشر رجلاً عن النَّبيّ r )) ([19]).
وذكر العراقي أَنَّهُ مرويٌ
عن رَسُوْل الله r من حَدِيث خمسين صحابياً([20]).
القَوْل الثَّانِي: لا
ترفع اليدان عِنْدَ الركوع و عِنْدَ الرفع مِنْهُ، و إنما ترفعان عِنْدَ تكبيرة
الإحرام فَقَطْ .
وَهُوَ قَوْل أبي
بَكْر في رِوَايَة ، وعمر في رِوَايَة ، وعلي ، وابن مَسْعُود ، وابن عُمَر في
رِوَايَة ، وابن عَبَّاس في رِوَايَة ، والثَّوْرِيّ ، والشَّعْبيّ ، والنخعي،
وابن أبي ليلى ، والحَسَن بن صالح بن حيّ ، والأسود ، وعلقمة ، وخيثمة ، وقيس بن
أبي حازم ، وأَبِي إسحاق السَّبِيْعِيّ ([21]) ، وإِليهِ ذهب
أبو حَنِيْفَة وأصحابه ([22])،
وَهُوَ رِوَايَة عن مَالِك ([23])
وَهُوَ مَذْهَب أهل الكوفة ([24]).
واستدلوا بحديث جابر
بن سمرة ([25])
قَالَ : (( خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْل الله r فَقَالَ : مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس أسكنوا في
الصَّلاَة ))([26]).
وبما روي عن ابن
مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ : (( ألا أصلي بكم صلاة النَّبيّ r فصلى وَلَمْ يرفع يديه إلا في أول مرة ))([27]).
وَقَالَ البُخَارِيّ
مُعلقاً عَلَى حَدِيث جابر بن سمرة: (( فإنما كَانَ هَذَا في التشهد لا في القيام
كَانَ يُسلم بعضهم عَلَى بَعْض فنهى النَّبيّ r عن رفع الأيدي في التشهد ، وَلاَ يحتج بهذا من لَهُ حظ من العِلْم
هَذَا مَعْرُوف مَشْهُور لا اختلاف فِيهِ ، وَلَوْ كَانَ كَمَا ذهب إليه لكان رفع
الأيدي في أول التكبيرة و أيضاً تكبيرات العيد منهياً عَنْهَا ؛ لأَنَّهُ لَمْ
يستثنِ رفعاً دُوْنَ رفع وَقَدْ ثبت حَدِيث ))([28]).
أما حَدِيْث ابن مسعود
فضعفه عَبْد الله بن المبارك فَقَالَ : (( لَمْ يثبت )) ([29]).
وَقَالَ أبو حاتم
الرازي : (( هَذَا خطأ )) ([30]).
وَقَالَ أبو داود : ((
لَيْسَ هُوَ بصحيح عَلَى هَذَا اللفظ )) ([31]) .
إلا أن الزيدية أنكروا
رفع اليدين عِنْدَ الإحرام ([32]).
المسألة الثانية :
هَلْ ترفع اليدان في مَوْضِع آخر ، وَهُوَ عِنْدَ القيام من التشهد الأول إلى
الركعة الثالثة ، عَلَى قولين
القَوْل الأول : ترفع
اليدان عِنْدَ القيام من الركعتين .
وهذا القَوْل رَواهُ
الإِمَام عَلِيّ ، و أبو حميد الساعدي في عَشْرَة من أصحاب النَّبيّ r فِيْهِمْ أبو قتادة ([33]). وَهُوَ قَوْل
ابن عُمَر ([34])
، وعطاء ([35])
، والبخاري ([36])
.
وإليه ذهب بَعْض أصحاب
الشَّافِعيّ ([37])
، وَهُوَ رِوَايَة عن الإِمَام أحمد ([38]) ، وابن حزم ([39]).
مستدلين بزيادة عَبْد الأعلى السابقة الذكر والتفصيل وخالف في ذَلِكَ جَمَاعَة من
أهل العِلْم ([40])
فلم يروا رفع اليدين في هَذَا الموضع .
المسألة الثالثة : رفع
اليدين عِنْدَ السجود وعند الرفع مِنْهُ .
وَقَد اختلف
الفُقَهَاء في ذَلِكَ عَلَى قولين :
القَوْل الأول : ترفع
اليدان عِنْدَ السجود و عِنْدَ الرفع مِنْهُ .
وَهُوَ قَوْل أنس ،
وابن عُمَر ، وابن عَبَّاس ، ونافع ، وعطاء ، وطاووس ، وأيوب ، والحَسَن ، وابن
سيرين ([41])،
وهُوَ رِوَايَة عن الإِمَام أحمد ([42])،
وإليه ذهب ابن حزم ([43]).
وَهُوَ قَوْل بَعْض أهل الحَدِيْث وَقَدْ جاءت بِذَلِكَ آثار لا تثبت([44]).
و استدلوا بحديث وائل بن حجر t([45]).
وَقَالَ ابن عَبْد
البـر في التمهيد :(( زيادة وائل بن حجر في حديثه رفع اليدين بَيْنَ السجدتين قَدْ
عارضه في ذَلِكَ ابن عُمَر بقوله : (( وَكَانَ لا يرفع بَيْنَ السجدتين )) ،
والسنن لا تثبت إذَا تعارضت وتدافعت ، ووائل بن حجر إنما رآه أياماً قليلة في
قدومه عَلَيْهِ ، و ابن عُمَر صحبه إِلَى أن تُوُفِّي r فحديث ابن عُمَر أصح عندهم و أولى أن يُعمل بِهِ ))([46]).
القَوْل الثَّانِي: لا
ترفع اليدان عِنْدَ السجود وعند الرفع مِنْهُ وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور([47]).
المسألة الرابعة : إلى
أين ترفع اليدان ، وَفِي ذَلِكَ أقوال :
القَوْل الأول: ترفع
اليدان إلى حذو المنكبين .
وَهُوَ قَوْل عُمَر ،
وأبي هُرَيْرَة ، وابن عُمَر ، وعبد الله بن الزُّبَيْر ، وأم الدرداء ، وسالم ،
ونافع ، ومحمد بن سيرين ، وطاووس ، وعطاء ، والقاسم ، ومكحول ، وإسحاق ([48])
. وَهُوَ المشهور عن مَالِك ([49])
، وإليه ذهب الشَّافِعيّ ([50])
، وَهُوَ المشهور عن أحمد ([51]).
و استدلوا بحديث ابن عمر ([52])
.
القَوْل الثَّانِي :
ترفع اليدان إلى حذو الأذنين .
وَهُوَ قَوْل عطاء ،
ووهب بن منبه ([53])
، وأبي جَعْفَر ، وإبراهيم ، والثَّوْرِيّ ([54]).
وإليه ذهب أبو
حَنِيْفَة ([55])
، وروي ذَلِكَ عن أحمد ([56])
، وَهُوَ قَوْل ابن حبيب من المالكية ([57]). واستدلوا بحديث
وائل ([58]).
القَوْل الثَّالِث :
ترفع اليدان إلى الصدر .
وَهُوَ قَوْل للإمام
مالك ([59])
ورواية عن الإِمَام أحمد ([60]).
القَوْل الرابع : التخيير بَيْنَ رفع اليدين إلى
الأذنين أو المنكبين .
وَهُوَ رِوَايَة عن
الإِمَام أحمد ([61])،
وحكاه ابن المنذر عن بَعْض أهل الحَدِيْث واستحسنه ([62]).
القَوْل الخامس : ترفع
اليدان حَتَّى تجاوزا الرأس في تكبيرة الافتتاح .
هَذَا القَوْل حكاه العبيدي عن طاووس ، وَهُوَ
قَوْل ابنه ، وهذا باطل لا أصل لَهُ([63]).
فائدة :
ويجمع الشَّافِعيّ
بَيْنَ هذِهِ الأحاديث فيقول : يجعل كفيه حذو منكبيه ، و إبهاميه عِنْدَ شحمة
أذنيه ، ورؤوس أصابعه عِنْدَ فروع أذنيه ([64]).
مثال مَا حقق فِيهِ
أنَّ الزيادة خطأ :
مَا أخرجه عَبْد
الرزاق ([65])
، قَالَ : أخبرنا معمر ، عن ثابت وقتادة ، عن أنس ، قَالَ : (( نظر بَعْض أصحاب
النَّبيّ r وضوءاً فلم يجده ، فَقَالَ النَّبيّ r: ها هنا ماءٌ فرأَيت النَّبيّ r وضع يده في الإناء الَّذِي فِيهِ الماءُ ، ثُمَّ قَالَ: توضئوا ([66])
بسم الله ، فرأيت الماءَ يفور من بَيْنَ أصابعه ، والقوم يتوضئون ، حَتَّى توضئوا
من عِنْدَ آخرهم)) .
ومعمر شيخ عَبْد
الرزاق هُوَ معمر بن راشد الأزدي ثِقَة ثبت فاضل ([67])، وشيخاه في هَذَا
الحَدِيْث ثابت بن أسلم البناني وَهُوَ ثِقَة عابد ([68])، وقتادة بن دعامة
السدوسي وَهُوَ ثِقَة ثبت ([69]).
إلا أن معمر بن راشد قَدْ أخطأ بذكر زيادة : (( بسم الله )) في الحَدِيْث ؛ إِذْ
إن الجمع من الرواة عن ثابت وقتادة لَمْ يذكروا هذِهِ الزيادة الَّتِي تفرد بِهَا
معمر مِمَّا يدل عَلَى خطئه ووهمه بِهَا ، وشرْح ذَلِكَ فِيْمَا يأتي :
أخرج الحَدِيْث ابن
سعد ([70])،
وأحمد ([71])،
وعَبْد بن حميد ([72])،
والفريابي ([73])،
وأبو يعلى ([74])،
وابن حبان ([75])
من طريق سليمان بن المغيرة ([76])
.
وأخرجه ابن سعد ([77])
، وأحمد ([78])
، وعبد بن حميد ([79])
، والبُخَارِيّ ([80])
، ومسلم ([81])
، والفريابي ([82])
، وأبو يعلى ([83])
، وابن خزيمة ([84])
، وابن حبان ([85])
، والبَيْهَقِيّ ([86])،
من طريق حماد بن زيد .
وأخرجه ابن سعد ([87])،
وأحمد ([88])
من طريق حماد بن سلمة ([89]).
فهؤلاء ثلاثتهم (
سليمان ، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة ) رووه عن ثابت عن أنس ، بِهِ . وَلَيْسَ
فِيهِ ذكر الزيادة . وَكَذَلِكَ رَوَى الحَدِيْث عن قتادة جَمَاعَة لَمْ يذكروا
فِيهِ الزيادة .
فَقَدْ أخرج الحَدِيْث
أحمد ([90])،
والبُخَارِيّ ([91])،
ومسلم ([92])،
وأبو يعلى ([93])،
واللالكائي ([94])،
والبَغَوِيّ ([95])
من طريق سعيد بن أبي عروبة ([96]).
وأخرجه أحمد ([97])
، والفريابي ([98])
، وأبو يعلى ([99])
، وأبو عوانة ([100])
، وابن حبان ([101])،
وأبو نُعَيْم ([102])
من طريق همام بن يَحْيَى . و أخرجه مُسْلِم ([103]) من طريق هشام
الدستوائي.
وأخرجه أبو يعلى ([104])
من طريق شُعْبَة بن الحَجَّاج. فهؤلاء أربعتهم (سعيد بن أبي عروبة ، وهمام ،
وهشام، وشعبة) رووه عن قتادة عن أنس بِهِ ، وَلَمْ يذكروا هذِهِ الزيادة .
إذن فليس من المعقول
أن يغفل جَمِيْع الرواة من أصحاب ثابت وقتادة فيغيب عَنْهُمْ حفظ هذِهِ الزيادة ،
ثُمَّ يحفظها معمر بن راشد .
ثُمَّ إن ثابتاً
وقتادة قَدْ توبعا عَلَى رِوَايَة الحَدِيْث ، وَلَيْسَ فِيهِ ذكر الزيادة ؛
تابعهما عَلَيْهِ إسحاق بن عبدالله ([105])- وَهُوَ ثِقَة
حجة ([106])
- وحميد الطويل ([107])
وَهُوَ ثِقَة ([108])
والحسن البصري ([109])
.
فغياب زيادة : (( بسم
الله )) عِنْدَ هذِهِ الكثرة يسلط الضوء عَلَى أن الوهم في ذكرها من معمر ، والله
أعلم .
أثر الحَدِيْث في
اختلاف الفُقَهَاء
حكم التسمية في ابتداء
الوضوء
اختلف الفُقَهَاء -
رحمهم الله تَعَالَى - في حكم التسمية عِنْدَ الوضوء عَلَى قولين
القَوْل الأول :
التسمية واجبة ، وَهُوَ قَوْل الحسن ([110]) ، والإمام أحمد
في إحدى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ([111]) ، وإسحاق بن
راهويه ([112])
، والزيدية ([113])
.
ودليلهم زيادة معمر
السابقة الذكر والتفصيل .
وما روي عن رَسُوْل
الله r أَنَّهُ قَالَ: (( لاصلاة إلا بوضوء ، وَلاَ وضوء لِمَنْ لَمْ
يذكر اسم الله عَلَيْهِ ))([114])
.
فإن تركها ساهياً ففي
المسألة قولان :
الأول : لا تسقط
بالسهو، وَهُوَ إحدى الرِّوَايَتَيْنِ عن الإمام أحمد ([115])
،
الثَّانِي : تسقط
بالسهو ، وَهُوَ إحدى الرِّوَايَتَيْنِ عن الإمام أحمد ([116])،
وَهُوَ المروي عن إسحاق بن راهويه ([117]) ؛ وإن تركها
عمداً بطلت طهارته ، وَهُوَ إحدى الرِّوَايَتَيْنِ عن الإمام أحمد ([118])
.
القَوْل الثَّانِي:
التسمية سنة ، وإليه ذهب أبو حَنِيْفَة ([119])، ومالك ([120])،
والشافعي([121])،
وإحدى الرِّوَايَتَيْنِ عن الإمام أحمد ([122]) ، والظاهرية ([123])
، والحسن ([124])
، والثوري ([125])
، وأبوعبيد([126]).
فإن سها سمى متى ذكر ،
وإن كَانَ قَبْلَ أن يكمل الوضوء. وإن ترك التسمية ناسياً أو عامداً لَمْ يفسد
وضوؤه ([127]).
مثال آخر للزيادة
الشاذة بسبب كثرة المخالفة :
روى حماد بن زيد ([128])
، عن هشام بن حسان ([129])
، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة حديث
ذي اليدين ، وذكر فيه زيادة : ((كبر)) ، فَقَالَ : ((كبر ثم كبر وسجد ))([130]).
وقد تفرد حماد بن زيد
بذكر هذه الزيادة عن هشام بن حسان .
إذ إن هشيمَ بن بشير ([131])
-وهو ثقة ([132])-،
ووهيب بن خالد ([133])
-وهو ثقة ([134])-،
وحماد بن أسامة ([135])
-وهو ثقة ([136])-،
وعبد الله بن بكر السهمي ([137])
-وهو ثقة ([138])
-، وأبا خالد الأحمر ([139])
- وهو صدوق يخطئ ([140])
- ، وأبا بكر بن عياش ([141])
- وهو ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح ([142])
- .
فهؤلاء ستتهم ( هشيم ،
ووهيب ، وحماد ، وعبد الله ، وأبو خالد ، وأبو بكر ) رووا هذا الحديث عن هشام بن
حسان لم يذكروا الزيادة .
ثُمَّ إن الحديث قد
رواه جماعة عن محمد بن سيرين ، منهم : أيوب السختياني ([143])
-وهو ثقة ثبت حجة ([144])
- ، وعبد الله بن عون ([145])
- وهو ثقة ثبت فاضل من أقران أيوب في العلم والعمل والسن ([146])
- ، ويزيد بن إبراهيم ([147])
- وهو ثقة ثبت ([148])
- ، وسلمة بن علقمة ([149])
- وهو ثقة ([150])
- ، وقتادة بن دِعامة ([151])
- وهو ثقة ثبت ([152])
- ، وخالد الحذاء ([153])
- وهو ثقة ([154])
- ، ويحيى بن عتيق ([155])
- وهو ثقة ([156])
- ، ويونس بن عبيد ([157])
- وهو ثقة ثبت ([158])
- ، وعاصم الأحول ([159])
- وهو ثقة ([160])
- ، وحبيب ابن الشهيد ([161])
- وهو ثقة ([162])
- ، وحميد الطويل ([163])
- وهو ثقة ([164])
-، وسعيد بن أبي عروبة ([165])
- وهو ثقة ([166])
- ، وسفيان بن حسين ([167])
- وهو ثقة ([168])
- ، وأشعث ابن سوار ([169])
- وهو ضعيف ([170])
- ، وقرة بن خالد ([171])
- وهو ثقة ([172])
- ، وحماد بن سلمة ([173])
- وهو ثقة ([174])
- .
فهؤلاء جميعهم رووه عن
ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، ولم يذكروا الزيادة ، قال أبو داود : (( روى هذا
الحديث أيضاً حبيب بن الشهيد ، وحميد ، ويونس ، وعاصم الأحول ، عن محمد ، عن أبي
هريرة لم يذكر أحد منهم ما ذكره حماد بن زيد ، عن هشام أنه كبر ثم كبر وسجد ، وروى
حماد بن سلمة ، وأبو بكر بن عياش هذا الحديث عن هشام لم يذكروا عنه هذا الذي ذكره
حماد بن زيد أنه كبر ثم كبر )) ([175])
.
وقال البيهقي : ((
تفرد به حماد بن زيد عن هشام )) ([176]) ، وأشار إلى نحو
هذا العلائي ([177])
.
فتفرد حماد أمام هذا
الجمع الغفير إمارة على أن زيادته خطأ ، إذ ليس من المعقول أن يغفل عنها الجمع من
تلامذة هشام، وليس من المعقول أن يغفل عنها الجمع من تلامذة مُحَمَّد بن سيرين .
ثم إن الحديث رواه
جماعة عن أبي هريرة غير ابن سيرين ، لم يذكر أحد منهم هذه الزيادة التي انفرد بها
حماد ، مما يؤكد وهمه بها .
فقد رواه عن أبي هريرة
: أبو سُفْيَان ([178])
مولى ابن أبي أحمد ([179])
، وأبو سلمة منفرداً ([180])
، وضمضم([181])
بن جوس ([182])
، وسعيد بن المسيب ، وأبو بكر بن عبد الرحمان ، وأبو سلمة ، وعبيد الله بن عبد
الله أربعتهم مقرونين ([183])
، وأبو سلمة ، وأبو بكر بن سليمان ([184]) مقرونين ([185])
، وأبو سلمة ، وسعيد بن المسيب ، وعبيد الله بن عبد الله ثلاثتهم مقرونين ([186])
، وسعيد بن المسيب ، وأبو سلمة ، وأبو بكر بن عبد الرحمان ، وأبو بكر بن سليمان
مقرونين ([187])
، وسعيد بن أبي سعيد المقبري ([188])
، وسعيد بن المسيب ([189])
، وأبو بكر بن عبد الرحمان وأبو سلمة وعبيد الله بن عبد الله ثلاثتهم مقرونين([190])
.
فهؤلاء جميعهم رووه عن
أبي هريرة ، لم يذكروا ما ذكره حماد من زيادة تكبيرة الإحرام لسجود السهو مما يؤكد
الجزم بوهمه – رحمه الله - .
أثر زيادة حماد في
اختلاف الفقهاء
هل يشترط لسجود السهو
تكبيرة التحريم ؟
ذهب جمهور العلماء إلى
عدم اشتراط تكبيرة الإحرام قبل سجود السهو ([191]) .
وذهب الزيدية ([192])،
ومالك في رواية عنه([193])،
وهو وجه عند الشافعية([194])
إلى اشتراط تكبيرة الإحرام لسجود السهو مستدلين بزيادة حماد السابقة، قال القرطبي:
(( ما يتحلل منه بسلام لابد له من تكبيرة إحرام ، ويؤيده ما رواه أبو داود من طريق
حماد بن زيد ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين في هذا الحديث قال: فكبر ثم كبر
وسجد للسهو )) ([195]).
وقد يختلف النقاد في
زيادة من الزيادات فيقبلها بعضهم دون بعض .
مثال ذلك: ما رواه ابن
جريج، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله ، قال:
(( كان معاذ يصلي مع النبي العشاء ، ثم ينطلق إلى قومه فيصليها ، هي له تطوع ، وهي لهم
مكتوبة )) ([196])
.
قال الحافظ ابن حجر:
(( هو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح، وقد صرح([197]) ابن جريج في
رواية عبد الرزاق ([198])
بسماعه فيه فانتفت تهمة تدليسه )) ([199]) .
أقول : إن ابن جريج قد
تفرد في هذا الحديث بزيادة جملة : (( هي له تطوع ، وهي لهم مكتوبة )) ، فقد روي
هذا الحديث من طريق سفيان بن عيينة –وهو ثقة ([200])– عن عمرو بن
دينار ، عن جابر ، به ([201])
، دون ذكر الزيادة التي انفرد بها ابن جريج .
وقد أعلّ الطحاوي
الزيادة في حديث ابن جريج فقال : (( فكان من الحجة للآخرين عليهم أن ابن عيينة قد
روى هذا الحديث عن عمرو بن دينار كما رواه ابن جريج ، وجاء به تاماً وساقه أحسن من
سياق ابن جريج ، غير أنه لم يقل فيه هذا الذي قاله ابن جريج )) ([202])
.
وقد أجاب الحافظ ابن
حجر عن هذا فقال : (( تعليل الطحاوي له بأن ابن عيينة ساقه عن عمرو أتم من سياق ابن
جريج، ولم يذكر هذه الزيادة ليس بقادح، في صحته ؛ لأن ابن جريج أسن وأجل من ابن
عيينة وأقدم أخذاً عن عمرو منه ، ولو لم يكن كذلك فهي زيادة من ثقة حافظ ليست
منافية لرواية من هو أحفظ منه ولا أكثر عدداً، فلا معنى للتوقف في الحكم بصحتها ))
([203])
.
أقول : لكن سفيان بن
عيينة لم ينفرد بعدم ذكر الزيادة فقد تابعه عدد من الرواة على عدم ذكرها ؛ فيكون
ابن جريج مخالفاً بذكر هذه الزيادة ، إذ روى الحديث الجم الغفير دون ذكر هذه
الزيادة .
فقد روى الحديث شعبة
بن الحجاج ([204])،
وأيوب السختياني ([205])،
وحماد بن زيد ([206])،
وسليم([207])
بن حيان ([208])
، ومنصور([209])
بن زاذان ([210])
، وهشام الدستوائي ([211])
؛ فهؤلاء جميعهم رووه عن عَمْرو بن دينار ، عن جابر ، بِهِ . دون ذكر الزيادة .
ثُمَّ إن الحديث روي
عن جابر من غير طريق عمرو بن دينار، فقد رواه أبو الزبير([212])
ومحارب بن دثار ([213])
، وعبيد الله ([214])
بن مقسم ([215])
، ولم يذكروا هذه الزيادة مما يجعل الحكم مختلفاً عند النقاد .
أثر هذه الزيادة في
اختلاف الفقهاء ( اختلاف نية المأموم مع الإمام )
اختلف الفقهاء في جواز
اختلاف نية المأموم مع الإمام ، على مذهبين :
المذهب الأول : وهو
جواز اختلاف نية المأموم مع الإمام ، أي يجوز أن يصلي المتنفل خلف المفترض ،
والمفترض خلف المتنفل ، والمفترض خلف المفترض لفرض آخر . وعلى هذا المذهب جماهير
الصحابة كما أشار إليه الماوردي ([216]) – منهم : عمر ،
وابن عمر ، وأبو الدرداء ([217])
، وأنس ([218])
– .
وذهب إلى ذلك من
التابعين : طاووس ([219])
، وعطاء ([220])
.
وبه قال : الأوزاعي ([221])
، والشافعي ([222])
، وسليمان بن حرب ([223])
، وإسحاق بن راهويه ([224])
، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد ([225]) .
وهو ما ذهب إليه ابن
المنذر ([226])
، والظاهرية ([227])
، والزيدية ([228])
.
والحجة لهم : حديث
معاذ السابق بزيادة ابن جريج .
المذهب الثاني : وهو
أنه لا يجوز أن تختلف نية الإمام والمأموم ، فلا يجوز أن يقتدي المفترض بمتنفل ،
ولا مفترض بمفترض بفرض آخر .
ذهب إلى ذلك جمهور
التابعين بالمدينة والكوفة ([229])
، ومنهم : سعيد بن المسيب ، والحسن البصري ([230]) .
وهو الرواية الأخرى عن
الإمام أحمد ([234])
.
واستدلوا بحديث أبي
هريرة عن رسول الله قال : (( إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه )) ([235])
.
ولم يأخذوا بزيادة ابن
جريج ، ويجاب عن الحديث الذي استدلوا به : بأن هذا الاختلاف مصروف إلى اختلاف يخل
بالصلاة كسبق الإمام بالركوع أو السجود أو ما أشبه بذلك .
وبقيت هناك مسألة :
وهي صلاة المتنفل خلف المفترض ، وهي جائزة بالاتفاق ، نقل ذلك ابن عبد البر فقال :
(( وقد أجمعوا أنه جائز أن يصلي النافلة خلف من يصلي الفريضة إن شاء الله )) ([236])
، لكن ينقض هذا النقل ما ذكره الماوردي ([237]) - وتبعه عليه
النووي ([238])
- أن شعبة ، وأبا قلابة ، والحسن ، والزهري ، ويحيى بن سعيد وفي رواية عن مالك :
ذهبوا إلى أن اختلاف النية بين الإمام والمأموم غير جائزة إطلاقاً ، أي إنه لا
يجوز أن يصلي المتنفل خلف المفترض ، ولا المفترض خلف المتنفل ، ولا المفترض خلف المفترض
لفرض آخر ، إلا أني لم أقف على رواية مالك في كتب مذهبه .
ثم إن هذا النقل يناقض
أيضاً ما ذهب إليه ابن عبد البر كما تقدم ، وما حرره ابن قدامة إذ قال : (( ولا
يختلف المذهب في صحة صلاة المتنفل وراء المفترض ، ولا نعلم بين أهل العلم فيه
اختلافاً )) ([239])
.
أقول : إن صحت زيادة
ابن جريج فالمذهب الأول أصح ، وقد وضّح ذلك ابن حجر ([240])
، وصحح هذه الزيادة وردّ كل ما يعارض المذهب الأول .
النموذج الثاني
ما رواه حماد بن سلمة
، عن أبي الزبير ، عن جابر : (( أنه نهى عن ثمن الكلب والسِّنَّوْرِ ، إلا كلب
الصيد )) .
وردت هذه الزيادة ((
إلا كلب صيد )) في حديث حماد بن سلمة ([241]) ، عن أبي الزبير
، عن جابر بن عبد الله ، وحماد ثقة ([242]) .
إلا أنه اختلف عليه في
رفعه ووقفه .
فقد رواه عن حماد
مرفوعاً كل من ( أبي نعيم ([243])
، سويد بن عمرو ([244])،
وحجاج ابن محمد ([245])
، والهيثم بن جميل ([246])
) جميعهم رووه مرفوعاً ، وفيه ذكر الزيادة .
ورواه عبد الواحد بن
غياث ([247])
، عن حماد موقوفاً ، وفيه ذكر الزيادة .
ورواه عبيد الله بن
موسى ([248])
، بالشك عن حماد ، وفيه ذكر الزيادة .
ومع اتساع الخلاف في
رواية حماد فقد خولف حماد في روايته للزيادة .
فقد خالفه ( معقل بن عبيد
الله ([249])،
وابن لهيعة ([250])
) كلاهما عن أبي الزبير ، عن جابر بدون ذكر الزيادة .
وللحديث طرق أخرى عن
جابر بدون ذكر الزيادة :
فقد رواه أبو سفيان ([251])
، وعطاء ([252])
، وشرحبيل ([253])
ثلاثتهم عن جابر دون ذكر الزيادة ، مما يدل على خطأ حماد في ذكرها إذ ليس من
المعقول أن يغفل عنها الرواة في جميع الطبقات ويحفظها حماد .
إلا أن بعض العلماء
يعد هذه الزيادة زيادة ثقة يتعين قبولها ، فقد قال ابن التركماني : (( هذا إسناد
جيد ، فظهر أن الحديث صحيح ، والاستثناء زيادة على أحاديث النهي عن ثمن الكلب فوجب
قبولها )) .
وقد ضعّف ابن حبان هذه
الزيادة فقال : (( هذا الخبر بهذا اللفظ لا أصل له ، ولا يجوز ثمن الكلب المعلم
ولا غيره )) ([254])
. وكذلك البيهقي فقال : (( الأحاديث الصحاح عن النبي
في النهي عن ثمن الكلب خالية من هذا الاستثناء ، وإنما الاستثناء في الأحاديث
الصحاح في النهي عن الاقتناء ، ولعله شبه على من ذكر في حديث النهي عن ثمنه من
هؤلاء الرواة الذين هم دون الصحابة والتابعين والله أعلم )) ([255])
.
أثر هذه الزيادة في
اختلاف الفقهاء : حكم بيع الكلب المعلم
اختلف الفقهاء في حكم
بيع الكلب :
فقد ذهبت جماعة من أهل
العلم إلى جواز بيع كلب الصيد دون غيره ، روي هذا عن جابر بن عبد الله ([256])
، وأبي هريرة ([257])
.
والحجة لهم زيادة حماد
السابقة .
أما الإمام أبو حنيفة
فيجوز عنده بيع الكلب معلماً كان أو غير معلم في رواية الأصل ([262])
. وعن أبي يوسف ([263])
لا يجوز بيع الكلب العقور ؛ واستدلوا بأن الكلب منفعة يجوز بيعه .
أما الإمام مالك فقد
قال : (( أكره ثمن الكلب الضاري وغير الضاري لنهي رسول الله
عن ثمن الكلب )) ([264])
.
وقد وضّح ابن عبد البر
ذلك فقال : (( وقد اختلف أصحاب مالك واختلفت الرواية عنده في ثمن الكلب الذي أبيح
اتخاذه ، فأجاز مرة ثمن الكلب الضاري، ومنع منه أخرى ، ووجه إجازة بيع ما أبيح
اتخاذه من الكلاب ؛ لأن الْحَدِيْث الَّذِي ورد بالنهي عن ثمن الكلب ، فمن نذر
مَعَهُ حلوان الكاهن ، ومهر البغي ، وهذا لا يباح شيء مِنْهُ عَلَى أنَّهُ الكلب
الَّذِي لا يجوز اتخاذه ، والله أعلم ؛ لأن من الكلاب ما أبيح اتخاذه ، والانتفاع
به ، فذلك جائز بيعه )) ([265])
.
وعند الإمام مالك أن
من قتل كلب صيد أو ماشية أو زرع فعليه قيمته ([266]) .
وذهب أكثر أهل العلم
إلى أنه لا يجوز بيع الكلب سواء كان معلماً أو غير معلم ، ولا ضمان على متلفه .
روي هذا عن أبي هريرة
([267])
، والحسن البصري ([268])
، ومحمد بن سيرين ([269])
، والحكم بن عتيبة ([270])
، وحماد بن أبي سليمان ([271])
، وربيعة الرأي ([272])
، والأوزاعي ([273])
، وابن أبي ليلى ([274])
.
واستدلوا بالحديث دون
ذكر الزيادة وكأنها شاذة عندهم ؛ لذا لم يعملوا بها ، وقالوا أيضاً : بأن الكلب
حيوان نجس لا يجوز بيعه كالخنْزير .
وقد تكون الزيادة
محتملة القبول والرد ، مثال ذلك : ما روى عبد العزيز بن
مُحَمَّد ([278])
، عن صفوان بن سُليم ([279])
، عن عطاء بن يسار ([280])
، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله
: (( غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم كغسل الجنابة )). هكذا رواه ابن حبان ([281])
، عن أبي يعلى ([282])
، عن محمد بن أبي بكر المُقَدَّمي ([283]) .
وقد خولف عبد العزيز
بن محمد في ذكر الزيادة ، خالفه ( مالك ([284]) ، وسفيان بن
عيينة ([285])
، وأبو علقمة الفروي ([286])
، وأسامة بن زيد ([287])
، وعبد الرحمان ابن زيد ([288])،
وبكر بن وائل ([289])،
والفضيل بن عياض ([290])،
وعبد الرحمان بن إسحاق ([291])
)، فرووه عن صفوان بن سليم ([292])،
عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري. دون ذكر الزيادة " كغسل الجنابة
" .
وللحديث شاهد من حديث
أبي هريرة ([293])
.
قال ابن حزم في
المحلى([294]):((
وكل غسل ذكرنا فللمرء أن يبدأ به من رجليه أو من أي أعضائه شاء ، حاشا غسل الجمعة
والجنابة ، فلا يجزئ فيهما إلا البداءة بغسل الرأس أولاً ثم الجسد ، فإن انغمس في
ماء فعليه أن ينوي البداءة برأسه ثم بجسده ولابد )) .
واستدل بقول رسول الله
: (( حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً ، يغسل
رأسه وجسده )) ([295]).
وقوله
: (( ابدؤا بما بدأ الله به )) ([296])،
وقد بدأ عليه السلام بالرأس قبل الجسد . وقال تعالى : ] وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى # إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى [ ([297]).
فصح أن ما ابتدأ به رسول الله في نطقه فعن وحي أتاه من عند الله تعالى، فالله تعالى هو الذي بدأ
بالذي بدأ به رسول الله .
وقد يختلف الراوي في
زيادة فيذكرها مرة ويهملها مرة .
سبعتهم ( سماك ، وعمرو
، وشعبة ، ووهيب ، وخارجة ، وعبد الوارث ، وعبد الوهاب ) عن أيوب ، عن أبي قلابة ،
عن أنس ، به . وتابعه خالد الحذاء ([327]) ، وسليمان
التيمي ([328])
متابعة تامة ، وقتادة ([329])
متابعة نازلة إلا أن أيوب روى الحديث بالسند والمتن السابقين وزاد فيه : (( إلا
الإقامة )) ([330])
، ورواها عنه كل من ، معمر ([331])
، وسماك ([332])
، وإسماعيل بن علية ([333]) وله شواهد من حديث عبد
الله بن عمر ([334])
، وعبد الله بن زيد ([335])
.
أثر هذه الزيادة في
اختلاف الفقهاء : كيفية الإقامة
اختلف الفقهاء في
الإقامة كيف هي على ثلاثة مذاهب :
المذهب الأول :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق