وهذا قَوْل جمهور الصَّحَابَة والتابعين
([1])
.
وإليه ذهب أبو
حَنِيْفَة في رِوَايَة وَهِيَ الأشهر ([2]) ، ومالك في
رِوَايَة المدنيين عَنْهُ ([3])،
والشافعي ([4])
، وأحمد ([5])
، والظاهرية ([6])
.
واستدلوا بحديث سعيد
بن المسيب ، وأبي سلمة بن عَبْد الرحمان ، عن أبي هُرَيْرَة t أن النَّبِيّ r قَالَ : (( إذا أمَّن الإمام ، فأمنوا ؛ فإنه من وافق تأمينه
تأمين الملائكة ، غفر لَهُ ما تقدم من ذنبه )) وَهُوَ حَدِيْث صَحِيْح ، سيأتي
تفصيل تخريجه .
القَوْل الثاني : إن
الإمام لا يقول (( آمين )) بَلْ يقتصر قولها عَلَى المأموم فَقَطْ :
وهذا قَوْل أبي
حَنِيْفَة في رِوَايَة مُحَمَّد بن الحسن عَنْهُ ([7]) ، ومالك في
رِوَايَة ابن القاسم والمصريين عَنْهُ ([8]) .
واستدلوا بحديث سُمي
مولى أبي بكر بن عَبْد الرحمان([9])
، عن أبي صالح ، عن أبي هُرَيْرَة ، أن رَسُوْل الله r قَالَ : (( إذا قَالَ الإمام } غَيْرِ
الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ { ، فقولوا
: آمين ، فإنه مَنْ وافق قوله قَوْل الملائكة غفر لَهُ ما تقدم من ذنبه )).
قَالَ ابن عَبْد البر
: (( في هَذَا الْحَدِيْث دليل عَلَى أن الإمام لا يقول : (( آمين )) ))([10]).
القَوْل الثالث : إن
الإمام والمأموم لا يقولان : (( آمين )) :
وهذا قَوْل الزيدية ([11])
، والإمامية ([12]).
واستدلوا بقوله r لِمَنْ شمت العاطس في الصلاة : (( إن هَذِهِ الصلاة لا يصلح
فِيْهَا شيءٌ من كلام الناس )) ([13])
.
الجهر بـ (( آمين ))
للإمام :
اختلف العلماء رحمهم
الله في هَذِهِ المسألة عَلَى قولين :
القَوْل الأول : إن
الإمام يجهر بـ (( آمين )) :
وهذا قَوْل غَيْر واحد
من أهل العِلْم من أصحاب النَّبِيّ r والتابعين ومن بعدهم([14]).
وإليه ذهب مالك في
رِوَايَة المدنيين عَنْهُ([15])،
والشافعي([16])،
وأحمد([17])،
وابن حزم([18]).
واستدلوا بحديث أبي
هُرَيْرَة t أن رَسُوْل الله r قَالَ : (( إذا أمن الإمام فأمنوا ، فإنه مَن وافق تأمينه تأمين
الملائكة غفر الله لَهُ ما تقدم من ذنبه )) ([19]).
وحديث بلال t قَالَ : قَالَ النَّبِيّ r : (( لا تسبقني بآمين )) ([20]).
وحديث وائل بن حجر :
(( أن النَّبِيّ r كَانَ يجهر بـ : آمين )) ([21]) .
القَوْل الثاني : إن
الإمام يُسر بِهَا :
وهذا قَوْل عمر بن
الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود y ([22]).
وبه قَالَ أبو
حَنِيْفَة ([23])
، ومالك في رِوَايَة بعض المدنيين عَنْهُ ([24]) .
واستدلوا بحديث وائل
بن حجر من طريق شعبة ([25])
.
قَالَ الزيلعي: ((
ولأنه دعاء فيكون مبناه عَلَى الإخفاء ولأنه لَوْ جهر به عقيب الجهر بالقرآن لأوهم
أنها من القرآن فيمنع مِنْهُ دفعاً للإيهام ولهذا لَمْ تكتب في المصاحف ))([26]).
وَقَالَ الشَّافِعِيّ
في " الجديد " : (( إن المأموم لا يجهر بـ : آمين )) ([27])
.
المبحث السابع :
المقلوب ، وأثره في اختلاف الفقهاء
وفيه ثلاثة مطالب :
المطلب الأول : تعريفه
.
المطلب الثاني :
أنواعه .
المطلب الثالث : أسباب
القلب .
المطلب الأول : تعريفه
المقلوب : اسم مفعول
من ( قَلَبَ ) ، ومعناه : تحويل الشيء عن وجهه ، وقَلَبَه يَقلِبُه قَلْباً ،
وَقَدْ انقلب وقَلَب الشيء وقَلَّبه
تقول : قلبت الشيء
فانقلب : إذا كببته ، وقلّبه بيده تقليباً ، وكلام مقلوب : ليس عَلَى وجهه ،
والقَلْبُ : صرفك إنساناً تَقْلِبُه عن وجهه الَّذِيْ يريد ، وقلّب الأمور : بحثها
ونظر في عواقبها ، ومنه قوله تَعَالَى : }
وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ {([28])
، وتَقلَّب في الأمور والبلاد : تصرف فِيْهَا كيفما شاء ، وفي التنْزيل : } فَلا
يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ { ([29])
.
وَقَالَ ابن فارس : ((
القاف واللام والباء أصلان صحيحان : أحدهما يدل عَلَى خالص الشيء وشريفه ، والآخر
عَلَى ردِّ شيء من جهة إلى جهة )) .
ومنه المثل العربي :
(( (( أَقْلِبْ قَلاّب )) يضرب لِمَنْ تفرط مِنْهُ سقطة ، فيتلافاها بقلبها إلى
غَيْر معناها )) ([30])
.
أما في الاصطلاح : فهو
الْحَدِيْث الَّذِيْ أبدل فِيْهِ راويه
شَيْئاً بآخر في السند أو في الْمَتْن عمداً أو سهواً ([31]) .
العلاقة بَيْنَ المعنى
اللغوي والاصطلاحي :
نلاحظ أن معنى القلب
متوافر في المعنى الاصطلاحي ، فهو في اللغة تغيير الشيء عن وجهه ، فسميَ بِهِ
هَذَا الفعل في الاصطلاح فكأن الرَّاوِي قلب الْحَدِيْث وأخرجه عن وجهه الصَّحِيْح
، عمداً كَانَ فعله أم سهواً .
المطلب الثاني :
أنواعه
القلب يقع تارة في
الْمَتْن وتارة في السند وتارة فيهما ، وعليه فيمكننا جعله عَلَى ثلاثة أنواع ([32])
:
الأول : القلب في
الْمَتْن .
الثاني : القلب في
الإسناد .
الثالث : القلب في
الْمَتْن والإسناد .
النوع الأول : القلب
في المتن
وَهُوَ أن يقع الإبدال
في متن الْحَدِيْث لا في سنده ، وَهُوَ قسمان ([33]) :
الأول : أن يبدل في
متن الْحَدِيْث بالتقديم والتأخير :
بحيث يَكُوْن التغيير
إما بتقديم جملة عَلَى جملة ، أو كلمة عَلَى جملة ، فإما أن يزيد لفظاً من خارج
الْحَدِيْث فهو مدرج لا مقلوب .
مثاله : ما روي من
طريق علي بن عثمان اللاحقي([34])
، عن حماد بن سلمة ، عن مُحَمَّد بن زياد ، عن أبي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ
رَسُوْل الله r : (( ذروني ما تركتكم ، فإنما أهلك من كَانَ قبلكم اختلافهم عَلَى
أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوه، وإذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه ما استطعتم )) ([35])
.
فهذا الْحَدِيْث مقلوب
في متنه . والذي تفرد بقلبه عن حماد بن سلمة هُوَ علي بن عثمان اللاحقي، إذ روي
هَذَا الْحَدِيْث من طريق وكيع([36])،وعبد
الرحمان بن مهدي([37])
كلاهما عن حماد بن سلمة، عن مُحَمَّد بن زياد، عن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ
رَسُوْل الله r : (( ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كَانَ قبلكم بسؤالهم،
واختلافهم عَلَى أنبيائهم، فإذا أمرتكم
بأمر فاتبعوه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه )) فالصواب الرِّوَايَة
الثانية ، وتابع حماد بن سلمة عَلَى الرِّوَايَة الثانية عن مُحَمَّد بن زياد :
شعبة ([38])،
والربيع بن مُسْلِم([39])
القرشي([40])
فرووه عن مُحَمَّد بن زياد ، عن أبي هُرَيْرَة برواية الثانية .
كَمَا أن علي بن عثمان
اللاحقي قَدْ قلب الإسناد والمتن في موقع آخر فَقَدْ رَوَى الْحَدِيْث عن حماد بن
سلمة ، عن أيوب وهشام ، عن مُحَمَّد بن سيرين ، عن أبي هُرَيْرَة برواية الأولى
المقلوبة الْمَتْن فَقَدْ خالف هنا وكيعاً ، وعبد الرحمان بن مهدي الَّذِيْنَ
روياه عن حماد بن سلمة، عن مُحَمَّد بن زياد، عن أبي هُرَيْرَة ، برواية الثانية
كما مَرَّ، فعلي بن عثمان خالف هنا من هم أحفظ مِنْهُ عدداً وحفظاً أَيْضاً
وخالفهم هنا في السند والمتن، كَمَا أن هَذَا الْحَدِيْث لَمْ يروَ من طريق
مُحَمَّد بن سيرين ، عن أبي هُرَيْرَة ، إلا من رواية علي بن عثمان، فَقَدْ روي من
عدة تابعين عن أبي هُرَيْرَة وليس فِيْهِمْ مُحَمَّد بن سيرين([41]).
ومثاله : ما سبق في
نوع المدرج ([42])
في حَدِيْث عَبْد الله بن مسعود ، إِذْ روي مقلوباً من طريق أبي معاوية ، عن
الأعمش ، عن شقيق بن سلمة ، عن عَبْد الله بن مسعود، قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله r كلمة وقلت أخرى، قَالَ رَسُوْل الله r : (( من مات لا يشرك بالله شَيْئاً دخل الجنة )) قَالَ: وقلت أنا
: من مات يشرك بالله شَيْئاً دخل النار ([43]).
فَقَدْ خالف أَبُو
معاوية بقية الرُّوَاة عن الأعمش ، إِذْ رَوَاهُ عَنْهُ :
أبو حمزة السكري([44])
: عِنْدَ البخاري ([45]).
حفص بن غياث : عِنْدَ
البخاري ([46])
، وابن منده ([47]).
عَبْد الواحد بن زياد
: عِنْدَ البخاري ([60])
، وابن منده ([61])
.
وكيع بن الجراح :
عِنْدَ أحمد ([62])
، ومسلم ([63])
، وابن منده ([64])
.
جميعهم عن الأعمش ، عن
شقيق ، عن عَبْد الله بن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُوْل الله r : (( من مات يشرك بالله شَيْئاً دخل النار )) وقلت أنا : من مات
لا يشرك بالله شَيْئاً دخل الجنة .
أضف إلى ذَلِكَ أن
عاصم بن أبي النجود ([65])
، وسيار ([66])
، والمغيرة ([67])،
رووا هَذَا الْحَدِيْث عن شقيق ، عن عَبْد الله بن مسعود باللفظ الصَّحِيْح .
وبهذا يَكُوْن أبو
معاوية قَدْ خالف الرُّوَاة الأكثر مِنْهُ عدداً في رِوَايَة هَذَا الْحَدِيْث
مقلوباً ، لذا قَالَ ابن خزيمة : (( وشعبة وابن نمير أولى بمتن الخبر من أبي
معاوية وتابعهما أَيْضاً سيار أبو الحكم([68]) ، عن أبي وائل ،
عن عَبْد الله )) ([69])
.
وَقَالَ الحافظ ابن
حجر نقلاً عن الإسماعيلي: (( إنما المحفوظ أن الَّذِيْ قلبه أبو معاوية وحده ،
وبذلك جزم ابن خزيمة في " صحيحه " ، والصواب رِوَايَة الجماعة )) ([70]).
ثُمَّ قَالَ: (( وهذا هُوَ الَّذِيْ يقتضيه النظر ؛ لأن جانب الوعيد ثابت بالقرآن
وجاءت السنة عَلَى وفقه ، فلا يحتاج إلى استنباط ، بخلاف جانب الوعد فإنه في محل
البحث إِذْ لا يصح حمله عَلَى ظاهره )) ([71]) .
الثاني : أن يبدل
الرَّاوِي عامداً سند متنٍ
بأن يجعله لمتن آخر ،
ويجعل للمتن الأول سنداً آخر ، ودافع هَذَا الفعل أحد أمرين ([72]) :
1. إما بقصد الإغراب
وفاعل ذَلِكَ داخل في صنف الوضاعين ملحقاً بالكذابين ([73]) .
مثاله : ما رواه عمرو
بن خالد الحراني([74])
، عن حماد بن عمرو النصيبي([75])
، عن الأعمش، عن أبي صالح ، عن أبي هُرَيْرَة مرفوعاً : (( إذا لقيتم المشركين في
طريق فلا تبدؤوهم بالسلام … الْحَدِيْث )) ([76]) .فهذا حَدِيْث قلبه حماد بن عمرو فجعله عن الأعمش، عن
أبي صالح ، وإنما هُوَ مشهور بسهيل بن أبي صالح ، عن أبيه أبي صالح ([77])
، هكذا رَوَاهُ الناس ، عن سهيل ، مِنْهُمْ :
أبو بكر بن عياش :
عِنْدَ الطحاوي ([78])
.
جرير بن عَبْد الحميد
: عِنْدَ مُسْلِم ([79])
، والبيهقي ([80])
.
خالد بن عَبْد الله([81])
: عِنْدَ ابن النجار ([82])
.
زهير بن معاوية :
عِنْدَ أحمد ([83])
، وابن الجعد ([84])
، وأبي عوانة ([85])
.
سفيان الثوري: عِنْدَ
عَبْد الرزاق([86])،
وأحمد ([87])
، والبخاري في " الأدب "([88])، ومسلم ([89])
، وأبي عوانة ([90])
، وأبي نعيم ([91])
، والبيهقي ([92])
.
سليمان بن بلال :
عِنْدَ أبي عوانة ([93])
.
عَبْد العزيز بن
مُحَمَّد الدراوردي:عِنْدَ مُسْلِم([101])،والترمذي([102])،وأبي
عوانة([103]).
الوضاح بن يزيد
اليشكري أبو عوانة : عِنْدَ أبي عوانة ([108]) ، وابن حبان([109]).
وهيب بن خالد : عِنْدَ
البخاري في " الأدب " ([110]) ، وأبي عوانة ([111])
.
يحيى بن أيوب : عِنْدَ
الطحاوي ([112])
.
يحيى بن سعيد : عِنْدَ
أبي عوانة ([113])
.
2. أن يَكُوْن بقصد
الامتحان لمعرفة حفظ الشيخ وضبطه .
مثاله : ما وقع للإمام
البخاري – رحمه الله – لما قدم بغداد ، فأراد أهل الْحَدِيْث اختبار حفظه ، فعمدوا
إلى مئة حَدِيْث فقلبوا أسانيدها ، وجعلوا أسانيد هَذِهِ لمتون تِلْكَ ، ثُمَّ
دفعوها إلى عشرة رجال لكل رجل عشرة أحاديث ، فلما جاء البخاري وجلس للإملاء،
وَكَانَ المجلس غاصاً بأصحاب الْحَدِيْث والفقهاء، قام لَهُ رجل من العشرة فسأله
عن حَدِيْث من تِلْكَ الأحاديث ، فَقَالَ البخاري: لا أعرفه ، فسأله عن الآخر
فَقَالَ : لا أعرفه، إلى تمام العشرة، ثُمَّ قام الثاني فالثالث حَتَّى نهاية
العشرة ، والبخاري لا يزيد عَلَى قوله : لا أعرفه، فكان من حضر المجلس من الفهماء
يلتفت بعضهم إلى بعض ، ويقولون: الرجل فهم. ومن كَانَ مِنْهُمْ غَيْر ذَلِكَ يقضي
عَلَى البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم .
فلما علم أنهم فرغوا
التفت إلى الأول مِنْهُمْ فَقَالَ : أما حديثك الأول فهو كَذَا ، وحديثك الثاني
كَذَا حَتَّى أتم العشرة ، ثُمَّ أقبل عَلَى الثاني فالثالث ، ورد المتون كلها إلى
أسانيدها ، وأسانيدها إلى متونها ، فأقرّ لَهُ الناس بالحفظ وأذعنوا لَهُ بالفضل ([114]).
وَكَانَ الحافظ
العراقي لا يتعجب من رد البخاري الخطأ إلى الصواب لسعة معرفته واطلاعه ، وإنما
كَانَ يعجب من حفظ الأحاديث المقلوبة عَلَى الموالاة من مرة واحدة ([115])
.
وَقَدْ وقع نحو هَذَا
الامتحان لعدد من الْمُحَدِّثِيْنَ مِنْهُمْ : أبان بن عياش اختبره شعبة ([116])
، وأبو نعيم الفضل بن دكين امتحنه يحيى بن معين ([117]) ، وأبو جعفر
العقيلي ([118])
، ومحمد بن عجلان ([119])
، وغيرهم .
وفي جواز قلب الأحاديث
لامتحان حفظ المشايخ خلاف ، إِذْ لَمْ يرتضيه بعض الْمُحَدِّثِيْنَ مثل : حرمي بن
عمارة ([120])
، ويحيى بن سعيد القطان ([121])
، قَالَ الحافظ العراقي: (( وهذا يفعله أهل الْحَدِيْث كثيراً، وفي جوازه نظر إلا
أنه إذا فعله أهل الْحَدِيْث لا يستقر حديثاً )) ([122]) ، فجوازه إذن
مشروط بالبيان ([123])
.
وَقَدْ يَكُوْن
بالتقديم والتأخير في اسم الرَّاوِي مثل: كعب بن مرة([124])،
فيجعل : مرة ابن كعب ([125])
.
3. الثالث : أن يقع في
الإسناد والمتن معاً
مثاله: ما رواه
الْحَاكِم في "مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث" ([126])
من طريق المنذر بن عَبْد الله الحزامي، عن عَبْد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ([127])،
عن عَبْد الله بن دينار، عن ابن عمر ، أن رَسُوْل الله r كَانَ إذا افتتح الصلاة قَالَ : (( سبحانك اللهم تبارك اسمك وتعالى
جدك … )) .
فهذا الْحَدِيْث مقلوب
سنداً ومتناً، أما سنداً فإن عَبْدالعزيز بن أبي سلمة يرويه عن عَبْد الله بن
الفضل([128])،
عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع([129])، عن علي بن أبي
طالب.
وأما القلب في
الْمَتْن فإن لفظ حَدِيْث عَبْد العزيز : أن النَّبِيّ r كَانَ إذا استفتح الصلاة يكبر ثُمَّ يقول : (( وجهت وجهي للذي فطر
السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين … )) .
هكذا رَوَاهُ حجين ([130])،
وأبو غسان مالك ([131])
بن إِسْمَاعِيْل ([132])
عن عَبْد العزيز بن أَبِي سلمة.
ورواه أَيْضاً :
عَبْد الله بن رجاء :
عِنْدَ الطحاوي ([139])
.
عَبْد الله بن صالح :
عِنْدَ الطحاوي ([140])
.
أربعتهم ، عن عَبْد
العزيز بن أبي سلمة الماجشون ، عن عَبْد الله بن الفضل والماجشون كلاهما، عن
الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي، بِهِ عَلَى الصواب .
ورواه أَيْضاً :
أبو داود الطيالسي :
في " مسنده " ([141])
، ومن طريقه الترمذي ([142]).
أَبُو صالح عَبْد الله
بن صالح ( كاتب الليث([143])
) : عِنْدَ ابن الجارود ([144])
، وابن خزيمة ([145]).
أبو النضر هاشم بن
قاسم : عِنْدَ أحمد ([146])
، ومسلم ([147])
، وابن حبان ([148])
.
أبو الوليد : عِنْدَ
الترمذي ([149])
.
حجاج بن منهال :
عِنْدَ ابن الجارود ([150])
، وابن خزيمة ([151])
.
سويد بن عمرو الكلبي([154])
: عِنْدَ ابن أبي شيبة ([155]).
معاذ بن معاذ بن نصر :
عِنْدَ أبي داود ([160])
.
يحيى بن حسان : عِنْدَ
الدارمي ([161])
، والطحاوي ([162]).
يزيد بن هارون :
عِنْدَ الدارقطني ([163])
.
جميعهم ، عن عَبْد
العزيز بن أَبِي سلمة ، عن يعقوب الماجشون منفرداً ، عن الأعرج ، عن عبيد الله ،
عن علي ، بِهِ ([164])
.
المطلب الثالث
أسـباب القـلب
مِمَّا لا شك فِيْهِ
أن قابليات الرُّوَاة تتفاوت ما بَيْنَ إتقان وضبط وتعاهد للمحفوظ ، ثُمَّ إنهم
مختلفون في ما ركزه الله فِيْهِمْ من العدالة أو ضدها ، وعليه فَقَد اختلفت دوافع
القلب في المرويات تبعاً لهذا التفاوت ، ويمكن أن نجعل جملة الأسباب الَّتِيْ تؤدي
بوقوع القلب في حَدِيْث الرُّوَاة ثلاثة ، هِيَ ([165]) :
1. رغبة الرَّاوِي في
إيقاع الغرابة في حديثه ليُرَغِّبَ الناس
حَتَّى يظنوا أنه يروي
ما ليس عِنْدَ غيره فيقبلوا عَلَى التحمل مِنْهُ . عَلَى نحو ما وقع في حَدِيْث
حماد بن عمرو النصيبي الَّذِيْ سقناه قَبْلَ قليل ([166])
.
ولهذا السبب كره أهل
الْحَدِيْث تتبع الغرائب ، قَالَ الإمام أحمد : (( لا تكتبوا هَذِهِ الأحاديث
الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء )) ([167]) .
2. الإمعان في التثبت
من حال المحدِّث أحافظ هُوَ أم غَيْر حافظ ؟ وهل يفطن لما وقع في الْحَدِيْث من
القلب أم لا ؟
فإن تبين لَهُ أنه
حافظ متيقظ يطمئن القلب في الْحَدِيْث عَنْهُ ، أقبل عَلَى التحمل عَنْهُ ، وإن
تبين لَهُ خلاف ذَلِكَ ، بأن كانت فِيْهِ
غفلة أو بلادة ذهن أعرض عَنْهُ وتركه .
كَمَا وقع للبخاري
والعقيلي والفضل بن دكين ومحمد بن عجلان والمزي وغيرهم – مِمَّا أسلفنا ذكرهم – ([168]).
3. خطأ الرَّاوِي
وغلطه
بأن يقع القلب في
حديثه من باب السهو لا العمد ، وهذا النوع راويه معذور فِيْهِ ؛ لأنه لَمْ يقصد
إيقاعه ، إلا أنه إذا كثر في حديثه استحق الترك ([169]).
مثاله : الْحَدِيْث
الَّذِيْ رَوَاهُ جرير بن حازم ، عن ثابت البناني ، عن أنس قَالَ : قَالَ رَسُوْل
الله r : (( إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حَتَّى تروني )) ([170]).
فهذا الْحَدِيْث انقلب
إسناده عَلَى جرير، وإنما هُوَ مشهور ليحيى بن أبي كثير ، عن عَبْد الله بن أبي
قتادة ، عن أبيه ، عن النَّبِيّ r ، هكذا رَوَاهُ الجمع ، عن يحيى بن أبي كثير مِنْهُمْ :
أبان : عِنْدَ أبي
داود ([171])
.
حجاج بن أَبِي عثمان
الصواف([172])
: عِنْدَ مُسْلِم ([173])
، وابن خزيمة ([174])،
وأبي عوانة ([175])،
وابن حبان ([176])
، وأبي نعيم في " المستخرج " ([177]) .
معاوية بن سلام ([187])
: عِنْدَ ابن خزيمة ([188]).
وروي من طريق أَبي سلمة بن عَبْد الرحمان وسعيد بن المسيب كَمَا
أخرجه مُسْلِم 7/91 ( 1337 )
( 130 ) ، والطحاوي في شرح المشكل ( 548 ) ( 551 ) ( 552 ) ، عن أبي سلمة وحده
وروي من طريق أبي صالح عن أبي هُرَيْرَة كَمَا أخرجه أحمد 2/355 و 495 ، ومسلم
7/91 (1337) (131) ، وابن ماجه (1) و (2) ، والترمذي ( 2679 ) ، والطحاوي في شرح
المشكل ( 554 ) ( 553 ) . وروي من طريق الأعرج عن أَبِي هُرَيْرَة كَمَا أخرجه مالك
في الموطأ ( 996 ) برواية مُحَمَّد بن الحسن الشيباني ، والشافعي في المسند ( 1802
) بتحقيقنا ، والحميدي ( 1125 ) ، وأحمد 2/258 ، والبخاري 9/116 ( 7288 ) ، ومسلم
7/91 ( 1337 ) ( 131 ) ، وأبو يعلى ( 6305 ) ، والطحاوي في شرح المشكل ( 549 ) (
550 ) ، وابن حبان ( 18 ) ( 19 ) ( 20 ) ( 21 ) .
وروي من طريق الحارث عم الحارث بن عَبْد الرحمان بن عَبْد الله ،
عن أبي هُرَيْرَة كَمَا أخرجه أبو يعلى
( 6676 ) .
وروي من طريق عَبْد الرحمان بن أبي عمرة ، عن أبي هُرَيْرَة كَمَا
أخرجه أحمد 2/482 .
وروي من طريق عجلان ، عن أبي هُرَيْرَة كَمَا أخرجه الشَّافِعِيّ
في المسند ( 1801 ) بتحقيقنا ، والحميدي ( 1125 ) ، وأحمد 2/247 و 428 و 517 ،
وابن حبان ( 18 ) ( 2106 ) .
وروي من طريق همام بن منبه ، عن أبي هُرَيْرَة كَمَا أخرجه عَبْد
الرزاق ( 20374 ) ، واحمد 2/313 ، ومسلم 7/91 ( 1337 ) ( 131 ) ، وابن حبان ( 20 )
( 21 ) ( 2105 ) ، والبغوي في شرح السنة ( 98 ) ( 99 ) .
فجميعهم رووه عن أبي هُرَيْرَة وفيه جعلوا إعطاء الاستطاعة عَلَى
القيام بالعمل المأمور بالقيام بِهِ ووجوب عدم إتيان العمل المنهي عَنْهُ مطلقاً
كَمَا في الرِّوَايَة الثانية وهذا يدل عَلَى خطأ راويه علي بن عثمان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق