{7.}
ابن المسافر ([1])، والنعمان ([2]) بن راشد ([3])، وعقيل ([4])، ومُحَمَّد بن أبي حفصة ([5]) ، ويونس ([6]) ، وحجاج([7]) بن أرطاة ([8]) ، وصالح ([9]) بن أبي الأخضر ([10]) ، ومُحَمَّد بن إسحاق ([11]) ، وعبيد الله بن عمر ([12])، وإسماعيل ([13]) بن أمية ([14]) ، ومُحَمَّد ([15]) بن أبي عتيق ([16]) ، وموسى ([17]) بن عقبة ([18])، وعبد الله ([19]) بن عيسى ([20]) ، وهَبَّار ([21]) بن عقيل ([22]) ، وإسحاق بن يَحْيَى ([23]) العوضي ([24]) ، وثابت ([25]) بن ثوبان ([26]) ، وقرة بن عَبْد الرَّحْمَان ([27]) ، وزمعة ([28]) بن صالح ([29]) ، وبحر([30]) السقاء ([31]) ، والوليد([32]) بن مُحَمَّد ([33]) ، وشعيب بن خالد ([34]) ، ونوح ([35]) بن أبي مريم ([36]) ، جميعهم عن الزهري ، بِهِ قَالَ البُخَارِيّ : (( وحديث هَؤُلاَءِ أبين )) ([37]) ،وَكَذَلِكَ هَذِهِ اللفظة في رِوَايَة الوليد بن مُسْلِم، عن مالك والليث ([38])، وفي رِوَايَة حماد بن مسعدة ([39]) عن مالك ([40])، وتابع هَذِهِ الروايات هشام بن سعد؛ إلاّ أنَّهُ رَوَاهُ عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هُرَيْرَةَ ([41]) ، وروى هَذَا الْحَدِيْث بهذا اللفظ عن أبي هُرَيْرَةَ سعيد بن المسيب ([42]) أيضاً .
وَقَالَ البيهقي : (( ورواية الجماعة ، عن الزهري مقيدة بالوطء ناقلة للفظ صاحب الشرع أولى بالقبول لزيادة حفظهم ، وأدائهم الْحَدِيْث عَلَى وجهه )) ([43]) .
أثر حَدِيْث أبي هُرَيْرَةَ في اختلاف الفقهاء
اختلف الفقهاء في وجوب الكفارة عَلَى مَن أفطر عامداً بغير الجماع
جمهور الفقهاء ([44]) يرون وجوب الكفارة عَلَى مَن جامع عامداً في نهار رَمَضَان ؛ وَلَكِنْ حكى العبدري([45]) وغيره : أن سعيد بن جبير ([46]) ، والشعبي ([47]) ، ومُحَمَّد بن
سيرين ([48]) ، وقتادة ([49]) ، والنخعي ([50]) ، قالوا : لا كفارة عَلَيْهِ في الوطء أو غيره ، وذهب الزيدية إِلَى أنّ الكفارة مندوبة ([51]) .
وَلَكِنَّ الفقهاء اختلفوا في الإفطارِ عامداً في رَمَضَان بغير الجماع ، هَلْ يوجِب الكفارة أم لا ؟
فذهب أبو حَنِيْفَةَ ([52]) إِلَى أنّ الكفارة تجب عَلَى مَن جامع في نهار رَمَضَان وَهُوَ صائم وعلى مَن أفسد صومه بأكل أو شرب ما يتغذى أو يتداوى بِهِ، بمعنى أنّه : متى ما حصل الفطر بِمَا لا يتغذى أو يتداوى بِهِ عادة فعليه القضاء دُوْنَ الكفارة ؛ وذلك لأنّ وجوب الكفارة يوجب اكتمال الجناية، والجناية تكتمل بتناول ما يتغذى أو يتداوى بِهِ([53]).
في حِيْن ذهب الحسن([54])، وعطاء ([55])، والزهري ([56])، والأوزاعي([57])، والثوري ([58])، ومالك ([59]) ، وعبد الله بن المبارك ([60]) ، وإسحاق ([61]) ، وأبو ثور ([62]) ، أن مَن أفطر عامداً في رَمَضَان بأكل أو شرب أو جماع ، فإنّ عَلَيْهِ القضاء والكفارة ؛ وذلك لأنهم استدلوا بظاهر لفظ الْحَدِيْث ( أنّ رجلاً أفطر في رَمَضَان ) فليس فِيْهِ تخصيص فطر بشيء دُوْنَ الآخر كَمَا يمكن قياس الأكل أو الشرب عَلَى الجماع؛ بجامع ما بَيْنَهُمَا من انتهاك لحرمة الصوم ([63]) .
وذهب سعيد بن المسيب ([64]) ، والشافعي ([65]) ، والصحيح من مذهب أحمد ([66]) ، والظاهرية ([67])، إِلَى عدم وجوب الكفارة عَلَى مَن أفطر عامداً في رَمَضَان إلا عَلَى المجامع، وحملوا الإفطار في الرِّوَايَة الأولى للحديث عَلَى تقييد الرِّوَايَة الثانية بالجماع فَقَطْ. أما القياس ، فَقَدْ قَالَ البغوي: (( يختص ذَلِكَ بالجماع ؛ لورود الشرع بِهِ، فَلاَ يقاس عَلَيْهِ سائر أنواع الفطر كَمَا لا يقاس عَلَيْهِ سائر أنواع الفطر ؛ كَمَا لا يقاس عَلَيْهِ القيء وابتلاع الحصاة مَعَ استوائهما في بطلان الصوم ، ووجوب القضاء )) ([68]) .
وفي رِوَايَة عن أحمد : أنَّهُ تجب الكفارة عَلَى المجامع في نهار رَمَضَان عامداً أم
ناسياً ([69]) .
ويتفرع عَلَى هَذَا أيضاً
اختلاف الفقهاء في الكفارة هَلْ هِيَ عَلَى الترتيب أَمْ عَلَى التخيير ؟
اختلف الفقهاء في تحديد الكفارة عَلَى مَن أفطر عامداً في رَمَضَان هَلْ هِيَ مقيدة بالترتيب أم أنها عَلَى التخيير ؟
فذهب أبو حَنِيْفَةَ ([70]) ، والأوزاعي ([71]) ، والثوري ([72]) ، والشافعي ([73]) ، وأحمد في أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ([74]) ، إِلَى أنّ الكفارة مقيدة عَلَى الترتيب الوارد في الْحَدِيْث ، فهي عتق رقبة ، فإن لَمْ يجد فصيام شهرين متتابعين ([75]) ، فإن لَمْ يستطع ، فإطعام ستين مسكيناً ، وَهُوَ مذهب الظاهرية ([76]) ، والزيدية ([77]) .
في حِيْن ذهب مالك وأصحابه ([78]) ، وأحمد في رِوَايَة عَنْهُ ([79]) إِلَى أنّ الكفارة عَلَى التخيير ، أي : أنَّهُ مخيّر بَيْنَ العتق أو الصيام أو الإطعام بأيِّها كفّر فَقَدْ أوفى ، واستدلوا برواية مالك وابن جريج ومَن تابعهم لحديث أبي هُرَيْرَةَ ( أمره رَسُوْل الله r أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً ) ، و ( أو ) هنا تقتضي التخيير ، واختار مالك الإطعام ؛ لأنَّهُ يشبه البدل من الصيام ، فَقَالَ مالك : (( الإطعام أحب إليَّ في ذَلِكَ من العتق وغيره )) ([80]) ، وَعَنْهُ في رِوَايَة أخرى – جواباً لسائله –: (( الطعام ، لا نعرف غَيْر الطعام لا يأخذ مالك بالعتق ولا بالصيام )) ([81]) .
وذهب الحسن البصري ([82]) إِلَى التخيير بَيْنَ العتق ، ونحر بدنة ، واستدل بحديث أرسله هُوَ (( أنّ النَّبِيَّ r قَالَ في الَّذِي وطئ امرأته في رَمَضَان : رقبة ثُمَّ بدنة )) ([83]) .
وروي عن الشعبي ([84]) ، والزهري ([85]) أنّ مَن أفطر في رَمَضَان عامداً فإنّ عَلَيْهِ عتق رقبة ، أو إطعام ستين مسكيناً ، أو صيام شهرين متتابعين مَعَ قضاء اليوم . قَالَ ابن عَبْد البر : (( وفي قَوْل الشعبي والزهري ما يقضي لرواية مالك بالتخيير في هَذَا الْحَدِيْث )) ([86]) .
المبحث الثاني
مخالفة الْحَدِيْث للقرآن الكريم
من المتفق عَلَيْهِ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ أنّ القرآن الكريم من حَيْثُ الثبوت قطعي لا مراء فِيْهِ، في حين أنّ خبر الآحاد لا يعدو كونه ظني الثبوت ، إذ إنّ احتمال وجود الخطأ في رِوَايَة الحفاظ الثقات أمر وارد ، وَقَدْ قَالَ الإمام أحمد : (( ومن ذا الَّذِي يعرى من التصحيف والخطأ )) ([87]) .
ومع توافر هَذِهِ الشبهة في خبر الآحاد ، فإنه لا مجال للقول بقطعية ثبوته ؛ لأنّ (( ما فِيْهِ شبهة لا يعارض ما لَيْسَ فِيْهِ شبهة )) ([88]) . ومن ثَمَّ فإنه لا وجه للقول باستوائهما من ناحية الاستدلال ، فضلاً عن تعارضهما ؛ لذا نجد فقهاء الحنفية ([89]) وبعض فقهاء المالكية ([90]) عند معارضة خبر الآحاد للقرآن الكريم يوجبون ردّه ، أو تأويله عَلَى وجه يجمع بَيْنَهُمَا .
ويُعلّلون هَذَا الاشتراط : بأنّ (( خبر الواحد يحتمل الصدق والكذب ، والسهو والغلط ، والكتاب دليل قاطع ، فَلاَ يقبل المحتمل بمعارضة القاطع ، بَلْ يخرج عَلَى موافقته بنوع تأويل )) ([91]) .
وبالمقابل فإننا نجد الجُمْهُوْر يلغون هَذَا الاشتراط ، ويجوزون تخصيص عموم نصوص الكِتَاب بخبر الواحد عِنْدَ التعارض، كَمَا يجوز تقييد ما أطلق من نصوصه بِهَا ([92])؛ وذلك أنّ الحنفية ومن وافقهم يرون الزيادة عَلَى النص نسخاً ([93]) ، وكيف يصح رفع المقطوع بالمظنون ؟
والجمهور يقولون : إنّ الزيادة عَلَى النص ليست من باب النسخ دائماً ([94]) ، وإنما قَدْ تَكُوْن بياناً ، أو تخصيصاً ، أو تقييداً . وفي مسألة البيان لا يشترط تكافؤ الأدلة من حَيْثُ عدد ناقليها .
ونستطيع أن نتلمس أثر هَذَا الخلاف في اختلاف الفقهاء من خلال الأمثلة الآتية :
النموذج الأول :
حَدِيْث فاطمة بنت قيس قالت: (( طلقني زوجي ثلاثاً لَمْ يجعل لي سكنى ولا نفقة، فأتيت رَسُوْل اللهr فذكرت لَهُ ذَلِكَ ، فقلت لَهُ : إنَّهُ لَمْ يجعل لي سكنى ولا نفقة ، قَالَ : صدق )) ([95]) .
رَوَاهُ مالك ([96])، والشافعي ([97])، وعبد الرزاق ([98])، والحميدي ([99])، وسعيد([100]) بن مَنْصُوْر([101])، وابن سعد([102])، وابن الجعد([103])، وابن أبي شيبة([104])، وأحمد([105])، والدارمي([106])، ومسلم ([107])، وأبو داود ([108])، وابن ماجه([109])، والترمذي([110])، والنسائي([111])، وابن([112]) الجارود([113])، و([114]) الطبري ([115])، والطحاوي ([116])، وابن حبان ([117])، وغيرهم ([118]) .
وَقَد اختلف الفقهاء في المطلقة ثلاثاً ( المطلقة غَيْر الرجعية ) إذا لَمْ تَكُنْ حاملاً ، هَلْ تجب لها النفقة والسكن أم لا ؟ عَلَى ثلاثة أقوال :
القول الأول : أنّ المطلقة البائن بينونة كبرى غَيْر الحامل تجب لها النفقة والسكنى عَلَى الزوج المُطَلِّق .
روي ذَلِكَ عن: عمر ، وابن عمر ، وابن مسعود ، وعائشة ([119])، والنخعي ، وابن شبرمة ([120]) ، والثوري ، والحسن بن صالح ، وعثمان البتي ([121]) ، وعبيد الله بن الحسن ([122]) العنبري ([123]) .
وَهُوَ رِوَايَة عن سعيد بن المسيب ([124]) .
وبه قَالَ الحنفية ([125]) .
واستدلوا : بأنّ الله – تبارك وتعالى – افتتح سورة الطلاق بقوله – جل ذكره –: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ([126]) ، فإنّ الخطاب فِيْهَا شامل للمطلقة الرجعية والمبتوتة ، فلما قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بآيات : أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ([127]) كان أمراً شاملاً للجميع ، فدخلت تحته البائنة والرجعية واستويتا في الحكم من حَيْثُ وجوب السكن ([128]) .
وأجابوا عن حَدِيْث فاطمة بأنه مخالف لنص القرآن الصريح، واستناداً إِلَى هَذِهِ المخالفة رد حديثها سيدنا عمر بن الخطاب فروى الطحاوي عَنْهُ أنَّهُ قَالَ : (( لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا لقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت )) ([129]) .
القول الثاني : لَيْسَ للمطلقة المبتوتة الحائل نفقة أيّاً كَانَت ولا سكن .
روي ذَلِكَ عن: عَلِيٍّ ، وابن عَبَّاسٍ ، وجابر ([130])، وطاوس ، وعمرو بن ميمون ([131])، والزهري ، وعكرمة ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وداود ([132]) .
وَهُوَ رِوَايَة عن : الحسن البصري ، وعطاء ، والشعبي ([133]) .
وإليه ذهب أحمد في المَشْهُوْر من مذهبه ([134]) ، وبه قَالَت الظاهرية ([135]) ، والإمامية ([136]) .
واستدلوا بحديث فاطمة ، وقالوا : لا تعارض بينه وبين نصوص الكِتَاب ، وَهُوَ
(( حَدِيْث صَحِيْح صريح في دلالته وأنه يعتبر مخصصاً لعموم آيات الإنفاق والسكن للمعتدات ، وَلَيْسَ بمستغرب أن تَكُوْن السنة النبوية مخصصة لعام القرآن أو مقيدة لمطلقه كَمَا هُوَ معروف في أصول الفقه )) ([137]) .
القول الثالث : لها السكن دُوْنَ النفقة .
روي هَذَا عن الفقهاء السبعة ([138]) ، والأوزاعي ، وابن أبي ليلى ([139]) .
وَهُوَ رِوَايَة عن : سعيد بن المسيب ، والحسن ، وعطاء ، والشعبي ([140]) .
وإليه ذهب المالكية ([141]) والشافعية ([142]) ، والزيدية ([143]) ، وأحمد في رِوَايَة ([144]) .
النموذج الثاني :
حكم القضاء باليمين مَعَ الشاهد
إذا أقام المدعي نصاب الشهادة كاملاً ، وقبل الْقَاضِي مِنْهُمْ شهاداتهم ، حكم بِمَا ادّعاه المدعي بلا خلاف بَيْنَ الْعُلَمَاء ([145]) .
وإذا لَمْ يكتمل النصاب وطلب المدَّعِي يمين المدَّعَى عَلَيْهِ ، فحلف المدَّعَى عَلَيْهِ سقطت دعوى المدَّعِي ؛ لأن اليمين للمدَّعَى عَلَيْهِ بقوله عَلَيْهِ الصَّلاَة والسلام : (( البَيِّنَة عَلَى المدَّعِي واليمين عَلَى مَن أنكر )) ([146]) . فإن حلف المدَّعِي فهل تقوم يمينه مقام النقص الحاصل في نصاب الشهادة ؟
اتَّفق الفقهاء عَلَى أنَّهُ لا يقضى باليمين ، والحالة هَذِهِ في الحدود ، واختلفوا فِيْمَا سوى ذَلِكَ عَلَى أربعة مذاهب :
الأول : يقضى بالشاهد مَعَ اليمين فِيْمَا سوى الحدود ، من غَيْر فرق بَيْنَ القصاص وسائر الحقوق ، وبه قَالَ ابن حزم ([147]) .
الثاني : يقضى بِهِ فِيْمَا سوى الحدود والقصاص ، وَهُوَ قَوْل الهادوية ([148]) .
الثالث : يقضى بِهِ في الأموال فَقَطْ ، روي هَذَا عن الخلفاء الأربعة ، وأُبَيّ ابن كعب ([149]) ، وابن عمر ، وسعيد بن المسيب ، والقاسم بن مُحَمَّد ([150]) ، وأبي بكر بن عَبْد الرَّحْمَان ([151]) ، وخارجة بن زيد ([152]) ، وعبيد الله بن عَبْد الله بن عتبة ([153]) ، وسليمان بن يسار ([154]) ، والحسن ، وشريح ([155]) ، وإياس بن معاوية ([156])، وعلي ابن الْحُسَيْن ([157])، ومُحَمَّد الباقر ([158])، وربيعة الرأي ([159])، وأبي الزناد ، وابن أبي ليلى ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وأبي عُبيد ، وداود بن علي .
وَهُوَ رِوَايَة عن عروة بن الزبير ، وعمر بن عَبْد العزيز ، وروي عن ابن سيرين ، ويحيى بن يعمر([160]) ، والزهري ([161]) .
وإليه ذهب المالكية ([162]) والشافعية ([163]) ، والحنابلة ([164]) .
وكانت إحدى الحجج المشتركة بَيْنَ هَذِهِ المذاهب ثلاثتها ، حَدِيْث : (( أن النَّبِيَّ قضى باليمين مَعَ الشاهد )) . وسيأتي الكلام عَنْهُ .
الرابع : أنَّهُ لا يقضى باليمين مَعَ الشاهد في شيء مطلقاً .
روي ذَلِكَ عن الشعبي، والنخعي، وعطاء ، والثوري، والأوزاعي ، وابن شبرمة ، وإبراهيم ، والحكم بن عتيبة ([165]) .
وَهُوَ رِوَايَة عن : عروة بن الزبير ، والزهري ، وعمر بن عَبْد العزيز ([166]) .
وبه قَالَ أبو حَنِيْفَةَ وأصحابه ([167]) .
وذكر ابن عَبْد البر أن هَذَا القول لَمْ يرو عن أحد من الصَّحَابَة ([168]) .
وأجابوا عن الْحَدِيْث بأنه معارض لنص القرآن الكريم ، وَهُوَ قوله تَعَالَى :
وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ([169]) ، والمانع من العمل بهذا الخبر أنَّهُ آحاد معارض للكتاب العزيز ([170]) .
وأجاب الجُمْهُوْر عن هَذَا الاعتراض بأن هَذَا الْحَدِيْث في أقل تقديراته يَكُوْن مشهوراً ، فَقَدْ روي عن عدة من الصَّحَابَة هم :
1. عَبْد الله بن عَبَّاسٍ : أخرجه الشَّافِعِي ([171]) وأحمد ([172]) ومسلم ([173]) وأبو داود ([174]) والنسائي ([175]) وابن ماجه ([176]) وأبو يعلى([177]) وابن الجارود ([178]) والطحاوي ([179]) والطبراني ([180]) والبيهقي ([181]) .
2. أبو هُرَيْرَةَ : عِنْدَ الشَّافِعِي ([182]) والترمذي ([183]) وأبي داود ([184]) وابن ماجه ([185]) والطحاوي ([186]) .
3. جابر بن عَبْد الله: عِنْدَ أحمد([187]) وابن ماجه([188]) وابن الجارود([189]) والبيهقي([190]).
4. سُرَّق([191]) : عِنْدَ ابن ماجه ([192]) والبيهقي ([193]) .
وَقَدْ روي أيضاً من حَدِيْث: عمر، وعلي، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري([194])، وزيد ابن ثابت([195])، وابن عَمْرو([196])، وسعد بن عبادة([197])، والمغيرة بن شعبة، وبلال بن الحارث([198])، وعمارة بن حزم ([199]) ، ومسلمة بن قيس ([200]) ، وعامر بن ربيعة ([201]) ، وسهل بن سعد ، وتميم الداري ([202]) ، وأنس ، وأم المؤمنين أم سلمة ([203]) ، وزينب بنت ثعلبة ([204]) .
وإذا قُلْنَا : إنَّهُ مشهور فإنه يعتبر بياناً للكتاب ، ويصح كونه مخصصاً لعام القرآن كَمَا هُوَ مقرر في أصولهم ([205]) .
المبحث الثالث
مخالفة الْحَدِيْث لحديث أقوى مِنْهُ
مِمَّا لا شك فِيْهِ أن الأحكام الشرعية مصدرها واحد ، هُوَ الله –تبارك وتعالى– وإذا كَانَ الأمر كَذَلِكَ ، فَقَدْ ذهب كَثِيْر من الْعُلَمَاء إِلَى أنَّهُ يمتنع أن يرد في التشريع دليلان متكافئان في الأمر نفسه ، بِحَيْثُ لا يَكُوْن لأحدهما مرجح مَعَ تعارضهما من كُلّ وجه ([206]) .
لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ فقد وجدنا عدداً من أدلة الأحكام الشرعية بدت للناظر – من أول وهلة – أنها متعارضة من حَيْثُ الظاهر ، والحقيقة أنَّهُ لا تعارض بَيْنَها ؛ لذا كَانَ الإمام ابن خزيمة يَقُوْل : (( لا أعرف أنَّهُ روي عن النَّبِيّ حديثان بإسنادين صحيحين متضادين ، فمن كَانَ عنده فليأتني بِهِ لأؤلِّف بَيْنَهُمَا )) ([207]) .
وَقَد تقاسم المحدّثون والأصوليون الاهتمام بهذا الجانب ، وكرَّسوا لَهُ جزءاً لا يستهان بِهِ من طاقاتهم الفكرية ؛ وذلك من خلال إشباعه بحثاً في مصنفاتهم . فالأصوليون أفردوا لَهُ باباً أسموه " التعارض والترجيح " ، وأما المحدّثون فَقَدْ خصوه بنوع من أنواع علم الْحَدِيْث أسموه " مختلف الْحَدِيْث " تحدّثت عَنْهُ كتب المصطلح ، وأفرده قسم مِنْهُمْ بالتأليف المستقل .
وَقَدْ سلك الفريقان إزاء هَذَا الاختلاف الظاهري ثلاثة مسالك ، هِيَ :
الجمع .
النسخ .
الترجيح .
وهذه المسالك ليست تخيرية للمجتهد ، بَلْ هِيَ واجبة حسب ترتيبها ، فالمجتهد يطلب الجمع بوجه من الوجوه الممكنة من غَيْر تعسف ؛ لأن في الجمع إعمالاً للدليلين معاً ، وإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما أو إهمال جميعها ([208]) .
فإن لَمْ يهتدِ إِلَى وجه الجمع ، فإن علم تاريخ المتقدم من المتأخر قِيْلَ بالنسخ ، فإن عدم أيضاً صير إِلَى الترجيح بوجه من وجوهه المعتبرة ([209]) .
ثُمَّ إن هَذَا التعارض إنما يَكُوْن متجهاً فِيْمَا إذا تساوى الدليلان من حَيْثُ القوة ، أما إذا كَانَ أحدهما صحيحاً والآخر ضعيفاً ، فَلاَ اعتبار بمخالفة الضعيف ، إذ الضعيف غَيْر معتبر في نفسه ، فكيف تستقيم معارضته لما هُوَ أقوى مِنْهُ ؟
وَقَد اختلفت مناهج الفقهاء والمدارس الفقهية في سلوك مسالك دفع التعارض بَيْنَ الأدلة الشرعية المتكافئة المتعارضة من حَيْثُ الظاهر ، فمنهم من يتبين لَهُ وجه جمع بينها ، ومنهم من قَد يرى في الجمع تكلفاً فيلجأ إِلَى القول بالنسخ … وهكذا ، مِمَّا أدّى إِلَى ظهور خلاف بَيْنَ الفقهاء في استنباط الأحكام الَّتِي دلّت عَلَيْهَا تِلْكَ الأدلة، ويتضح ذَلِكَ من الأمثلة الآتية :
النموذج الأول :
مَن يثبت لَهُ حقّ الشفعة :
اختلف الفقهاء فيمن يثبت لَهُ حق الشفعة عَلَى مذهبين :
المذهب الأول : تثبت الشفعة بالخلطة، أي: أن الَّذِي يستحق الشفعة هُوَ الشريك الَّذِي لا تزال شركته قائمة ، وَهُوَ المسمى : الشريك في عين المبيع فَقَطْ .
وبهذا قَالَ جمهور الْفقهاء، روي هَذَا عن عمر وعثمان ([210]) وعلي وابن عَبَّاسٍ وجابر وعمر بن عَبْد العزيز وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة بن أبي عَبْد الرَّحْمَان وأبي الزناد والمغيرة بن عَبْد الرَّحْمَان([211]) والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر ([212]) .
وإليه ذهب المالكية ([213]) والشافعية ([214]) والحنابلة ([215]) والإمامية ([216]) .
وهناك من أثبت حق الشفعة – إضافة للشريك في عين المبيع – للشريك في حق المبيع .
وَهُوَ رِوَايَة عن الإمام أحمد([217])، واختارها ابن تيمية([218]) وابن القيم([219]) من الحنابلة ([220])، وبنحوه قَالَ ابن حزم ([221]) ؛ إلا أنَّهُ لَمْ يجعلها للشريك في حق المبيع مطلقاً ، وإنما خصّها بكونه شريكاً في الطريق فَقَطْ .
المذهب الثاني : أثبتوا حقّ الشفعة للجار والشريك عَلَى تفاصيل لَهُمْ في تعيين من هُوَ أولى بِهَا .
وبهذا قَالَ : ابن شبرمة والثوري وابن المبارك وابن أبي ليلى ([222]) .
وإليه ذهب أبو حَنِيْفَةَ وأصحابه ([223]) . وبنحوه قَالَ الزيدية ([224]) .
واستدل أصحاب المذهب الثاني بِمَا رَوَاهُ عَبْد الملك بن أبي سليمان العرزمي([225]) ، عن عطاء ، عن جابر، مرفوعاً: (( الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بِهَا ، وإن كَانَ غائباً ، إذا كَانَ طريقهما واحداً )) .
رَوَاهُ الطيالسي ([226]) وعبد الرزاق ([227]) وابن أبي شيبة ([228]) وأحمد ([229]) والدارمي ([230]) وأبو داود ([231]) وابن ماجه ([232]) والترمذي ([233]) وفي العلل الكبير ([234]) والنسائي ([235]) والطحاوي ([236]) والطبراني ([237]) البيهقي ([238]) وابن عَبْد البر ([239]) .
واستدل أصحاب المذهب الأول بِمَا رواه أبو سلمة بن عَبْد الرَّحْمَان ، عن جابر مرفوعاً : (( الشفعة فِيْمَا لَمْ يقسم ، فإذا وقعت الحدود ، وصرفت الطرق ، فَلاَ شفعة)).
رَوَاهُ الشافعي ([240]) والطيالسي ([241]) وعبد الرزاق ([242]) وأحمد ([243]) وعبد بن حميد ([244]) والبخاري([245]) وأبو داود([246]) وابن ماجه([247]) والترمذي([248]) وابن الجارود([249]) و الدولابي([250]) والطحاوي ([251]) وابن حبان ([252]) وابن عدي ([253]) والدارقطني ([254]) والبيهقي ([255]) والبغوي([256]) .
وجه الدلالة من هَذَا الْحَدِيْث: أن الأملاك إذا استقلت وتحدد كُلّ مِنْهَا، فَلاَ يبقى هناك مجال للشفعة ، وهذا حال الجار ، إذ مُلْكُهُ بيِّنٌ واضِحٌ ([257]) .
وأجابوا عن الْحَدِيْث الَّذِي استدل بِهِ أصحاب المذهب الثاني بعدة أمور ، مِنْهَا :
معارضته لما هُوَ أصح مِنْهُ ، وَهُوَ حَدِيْث جابر الَّذِي استدلوا بِهِ ، قَالَ ابن القيم :
(( والذين ردوا حَدِيْث عَبْد الملك بن أبي سليمان ظنوا أنَّهُ معارض لحديث جابر الَّذِي رَوَاهُ أبو سلمة عَنْهُ : (( الشفعة فِيْمَا لَمْ يقسم ، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق ، فَلاَ شفعة )) .
وفي الحقيقة لا تعارض بَيْنَهُمَا ، فإن منطوق حَدِيْث أبي سلمة انتفاء الشفعة عِنْدَ تمييز الحدود وتصريف الطرق ، واختصاص كُلّ ذي ملك بطريق ، ومنطوق حَدِيْث عَبْد الملك : إثبات الشفعة بالجوار عِنْدَ الاشتراك في الطريق ، ومفهومه : انتفاء الشفعة عِنْدَ تصريف الطرق ، فمفهومه موافق لمنطوق حَدِيْث أبي سلمة وأبي الزبير ، ومنطوقه غَيْر معارض لَهُ ، … )) ([258]) .
المبحث الرابع
مخالفة الْحَدِيْث لفتوى راويه أو عمله
وضع الحنفية شروطاً للعمل بخبر الآحاد، يمكن أن تَكُوْن عاضداً للظن الَّذِي يوجبه خبر الواحد ([259]) .
ومن بَيْن تِلْكَ الشروط : أن لا يعمل الرَّاوِي بخلاف روايته ([260])، ووافقهم عَلَى هَذَا بَعْض المالكية ([261])؛ لأنَّهُ ما عمل بخلافه إلا وَقَدْ تيقن من طريق صحيحة نسخه ، أو صرفه عن ظاهره بتأويله أو تخصيصه ، سواء كَانَ هَذَا من معاينة حال رَسُوْل الله ، أو سَمَاع نصٍ جلي صريح مِنْهُ ، أو علم إجماع الصَّحَابَة عَلَى خلاف مضمونه، فأوجب هَذَا عَلَيْهِ القول بمقتضى المتأخر من حَيْثُ علمه ([262]) .
وفصّل أبو بكر الرازي الجصاص من الحنفية ، فرأى أن الخبر المروي عَلَى هَذِهِ الصورة لا يخلو عن حالتين :
الأولى : أن يَكُوْن الخبر محتملاً للتأويل ، فعند ذَلِكَ لا يؤخذ بتأويل الصَّحَابِيّ فمن دونه ، ويبقى الخبر عَلَى ظاهره معمولاً بمنطوقه ، إلاّ عِنْدَ قيام دلالة عَلَى وجوب صرفه إِلَى ما يؤوله الرَّاوِي .
الثانية : أن لا يحتمل الخبر تأويلاً ، ولا يمكن أن يَكُوْن لفظ الْحَدِيْث تعبيراً من الصَّحَابِيّ ، فهذا الَّذِي يتوقف في قبوله والعمل بِهِ ([263]) .
وجمهور الفقهاء والأصوليين عَلَى خلافه ، إذ لا يلزم من مخالفة الصَّحَابِيّ للحديث الَّذِي يرويه ، أن يَكُوْن قَد اطَّلع عَلَى ناسخ لَهُ ، أو بدا لَهُ وجه تأويله ([264])، ثُمَّ إن المقتضي للحكم هُوَ ظاهر اللفظ في الخبر ، وَهُوَ قائم ، وما عارضه من فعل الرَّاوِي لا يصلح أن يَكُوْن معارضاً ؛ وذلك لأن احتمال تمسكه بِمَا ظنه دليلاً – مَعَ أنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ – قائم ، وتَدَيّن الصَّحَابِيّ وإحسان الظن بِهِ ، يمنعه من تعمد الخطأ ، أما السهو والغلط فممكن عَلَيْهِ ، كَمَا هُوَ ممكن عَلَى غيره ([265]) .
وقول الصَّحَابِيّ – مهما كَانَتْ مكانته – لا تقاوم الوقوف بوجه النص ، لا سيما إذا كَانَ النص لا يحتمل التأويل ، وإنما يعدُّ هَذَا من اجتهادات ذَلِكَ الصَّحَابِيّ ، والأمة ملزمة بالعمل بالنص ، وغير ملزمة بالعمل باجتهادات الصَّحَابَة ، قَالَ الشَّافِعِيّ – رَحِمَهُ اللهُ – : (( كيف أترك الْحَدِيْث بعمل من لَوْ عاصرته لحاججته )) ([266]) .
والحديث – إذا صَحَّ سنده واتضحت دلالته – حجة عَلَى الأمة ، بِمَا فِيْهَا الصَّحَابِيّ ([267]) ؛ لذا قَالَ ابن القيم: (( والذي ندين الله بِهِ ولا يسعنا غيره – وَهُوَ القصد في هَذَا الباب – أن الْحَدِيْث إذا صَحَّ عن رَسُوْل الله ، وَلَمْ يصح عَنْهُ حَدِيْث آخر ينسخه : أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك كُلّ ما خالفه ، ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائناً من كَانَ لا راويه ولا غيره، إذ من الممكن أن ينسى الرَّاوِي الْحَدِيْث ، أو لا يحضره وقت الفتيا، أو لا يتفطن لدلالته عَلَى تِلْكَ المسألة ، أو يتأول فِيْهِ تأويلاً مرجوحاً ، أو يقوم في ظنه ما يعارضه ، ولا يَكُوْن معارضاً في نفس الأمر، أو يقلّد غيره في فتواه بخلافه ؛ لاعتقاده أنَّهُ أعلم مِنْهُ ، وإنه إنما خالفه لما هُوَ أقوى مِنْهُ ، وَلَوْ قُدّر انتفاء ذَلِكَ كله ، ولا سبيل إِلَى العِلْم بانتفائه ولا ظنه ، لَمْ يَكُنْ الرَّاوِي معصوماً ، وَلَمْ توجب مخالفته لما رَوَاهُ سقوط عدالته ، حَتَّى تغلب سيئاته حسناته ، وبخلاف هَذَا الْحَدِيْث الواحد لا يحصل لَهُ ذَلِكَ )) ([268]) .
ومهما يَكُنْ الأمر فإن هَذَا التأصيل قَد انعكس عَلَى المجال الفقهي ، فوجدت خلافات بَيْنَ الفقهاء ، كَانَ مرجعها إِلَى هَذَا الأصل، ونلمس هَذَا جلياً من خلال الأمثلة الآتية :
النموذج الأول :
اشتراط الولي في النكاح
اختلف الفقهاء في اشتراط إذن الولي لصحة عقد النكاح عَلَى قولين :
الأول : لا يصح عقد النكاح من غَيْر ولي ، وَهُوَ شرط في صحة العقد .
وبهذا قَالَ الجُمْهُوْر ، وَهُوَ مروي عن : عمر وعلي وابن مسعود وابن عَبَّاسٍ وأبي هُرَيْرَةَ وعائشة.وبه قَالَ: سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عَبْد العزيز وجابر بن زيد([269]) والثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وابن المبارك وعبيد الله العنبري وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد . وَقَد روي عن ابن سيرين والقاسم بن مُحَمَّد والحسن بن صالح ([270]) .
وإليه ذهب الشافعية ([271]) والمالكية ([272]) والحنابلة ([273]) والظاهرية ([274]) والزيدية ([275]) .
وَقَالَ الصاحبان : لا يصح النكاح إلا بولي ، فإذا رضي الولي جاز ، وإن أبى – والزوج كفوء – أجازه الْقَاضِي ([276]) .
الثاني : يجوز للمرأة أن تزوج نفسها مِمَّنْ تشاء ، وَلَيْسَ للولي أن يعترض عَلَيْهَا ، إذا وضعت نفسها حَيْثُ ينبغي أن تضعها .
وَهُوَ مروي عن الزهري والشعبي ([277]) .
وإليه ذهب أبو حَنِيْفَةَ وزفر ([278]) .
وأما الإمامية ففصلوا بَيْنَ الثيّب والبكر ، فإن كَانَتْ بكراً رشيدة فَقَد اختلف فقهاؤهم فِيْهَا عَلَى أقوال :
ثبوت الولاية لنفسها في العقد الدائم والمؤقت .
ثبوت الولاية لنفسها في العقد الدائم دُوْنَ المنقطع .
عكس الَّذِي قبله ، أي : ثبوت الولاية لنفسها في العقد المؤقت دُوْنَ الدائم .
لَيْسَ لها ولاية عَلَى نفسها سواء كَانَ العقد دائماً أو منقطعاً ، إذا كَانَ الولي الأب أو الجد للأب .
الكل شركاء في حق الولاية ، فَلاَ يمضي العقد إلا برضا الْجَمِيْع .
فإن عضلها الولي ، وَكَانَ المتقدّم كفوءاً ، وكانت راغبة في الزواج مِنْهُ ، فلها أن تُزَوِّج نفسها إجماعاً في المذهب ([279]) .
أما الصغيرة فتثبت ولاية الأب والجد للأب عَلَيْهَا بكراً كَانَتْ أو ثيّباً ، وإذا زوجها أحدهما وَهِيَ صغيرة لزمها عقده ، ولا خيار لها إذا بلغت عَلَى الأشهر عندهم ([280]) .
وإذا كَانَتْ ثيّباً بالغةً فليس لأحد ولاية عَلَيْهَا ([281]) .
واستدل القائلون بالاشتراط بحديث عَائِشَة رضي الله عَنْهَا عن رَسُوْل الله :(( أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل، ثلاث مرات، فإن دخل بِهَا فلها المهر بِمَا أصاب مِنْهَا ، فإن تشاجروا فالسلطان ولي مَن لا ولي لَهُ)) .
رَوَاهُ الشَّافِعِيّ ([282])، والطيالسي ([283])، وعبد الرزاق ([284])، والحميدي ([285])، وسعيد ابن مَنْصُوْر ([286])، وأحمد ([287])، والدارمي ([288])، وأبو داود ([289])، وابن ماجه ([290])، والترمذي ([291]) ، والنسائي ([292]) ، وأبو يعلى ([293]) ، وابن الجارود ([294])، والطحاوي ([295]) ، وابن حبان ([296])، وابن عدي ([297])، والدارقطني ([298])، والحاكم ([299])، والسهمي ([300])، وأبو نعيم ([301])، والبيهقي ([302])، والخطيب ([303])، وابن عَبْد البر ([304])، والبغوي ([305]).
وَقَدْ أجاب أصحاب المذهب الثاني
عَبْد الرحمان ، وأبي سلمة ، عن أبي هُرَيْرَةَ ، بِهِ . وانظر : علل الدَّارَقُطْنِيّ 10/230 .
( 224 ه ) ، وتوفي سنة ( 310 ه ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق