وهذا كلام مجمل بيانه فِيْمَا يأتي :
أولاً : رَوَاهُ عَبْد
الرحمان بن ثابت بن ثوبان ، عن الحسن بن الحر ، بسند زهير بن معاوية، وفَصَل نهاية
الرِّوَايَة وبيّن أنها من قَوْل ابن مسعود ، وروايته عِنْدَ ابن حبان([1])
، والطبراني ([2])،
والدارقطني ([3])
، والحاكم ([4])
، والبيهقي ([5])
، والخطيب البغدادي ([6])
.
ثانياً : رَوَاهُ حسين
الجعفي وابن عجلان واتفقا عَلَى عدم ذكر هذا الكلام في نهاية الرِّوَايَة. ورواية
حسين أخرجها ابن أبي شيبة([7])،
وأحمد([8])،
وابن حبان([9])،
والطبراني([10])،
والدارقطني ([11])
، والخطيب ([12])
وأما رِوَايَة ابن
عجلان فأخرجها الطبراني ([13])
، والدارقطني ([14])،
والخطيب ([15]).
ثالثاً : إن الرُّوَاة
عن زهير بن معاوية اختلفوا عليه في رِوَايَة هَذَا الْحَدِيْث،فرواه كُلّ من:
أحمد بن عَبْد الله بن
يونس اليربوعي ([16])
.
أبو داود الطيالسي ([17])
.
عَبْد الله بن
مُحَمَّد([19])
النفيلي ([20])
.
أبو النضر هاشم بن
القاسم ([26])
.
يحيى بن يحيى
النيسابوري ([29])
.
عشرتهم عَنْهُ مدرجاً
.
ورواه شبابة بن سوار([30])
، عَنْهُ – أعني : زهير بن معاوية – ففصله وبين أنه من قَوْل عَبْد الله بن مسعود
، وروايته عِنْدَ: الدَّارَقُطْنِيّ ([31])، والبيهقي ([32])،
والخطيب ([33]).
وهذا النوع من الإدراج
هُوَ الغالب من حَيْثُ وقوعه في متون الأحاديث ([34]) .
أثره في اختلاف
الفقهاء ( حكم التشهد والسلام )
اختلف الفقهاء في حكم
التشهد والسلام عَلَى مذهبين :
المذهب الأول :
ذهب بَعْض الفقهاء إِلَى
أن التشهد والسلام ليسا بفرضين . وبه قَالَ جمع من السلف ، وإليه ذهب أبو
حَنِيْفَةَ ([35])
، لكنه يَقُوْل بوجوبهما وترك الواجب عنده لا ينبني عَلَيْهِ بطلان الصَّلاَة ،
فإن تركه عامداً كَانَ آثماً ، وإن تركه ناسياً جبره بسجود السهو .
وحجتهم الزيادة
الواردة في الْحَدِيْث السابق ، فقالوا : إنها زيادة مرفوعة وليست مدرجة ([36])
.
المذهب الثاني :
ذهب جمهور الفقهاء
إِلَى القول بفرضيتهما ([37])
. واستدلوا :
بِمَا روي عن عَبْد
الله بن مسعود t ، قَالَ : (( كنا نقول قَبْلَ أن يفرض التشهد : السلام عَلَى الله
السلام عَلَى جبريل وميكائيل. فَقَالَ رَسُوْل الله r : لا تقولوا هكذا فإن الله هُوَ السلام ، وَلَكِنْ قولوا :
التحيات لله … الْحَدِيْث )) ([38])
.
ووجه الدلالة من هَذَا
الْحَدِيْث أمران :
قوله : ((قَبْلَ أن
يفرض التشهد )) فدل ذَلِكَ عَلَى أن التشهد فرض .
قوله : (( قولوا : التحيات
)) أمر ، والأمر يقتضي الوجوب .
استدلوا أَيْضاً بِمَا
روي عن عَلِيّ t ، عن النَّبِيّ r قَالَ : (( مفتاح الصَّلاَة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها
التسليم )) ([39]).
قَالَ التِّرْمِذِيّ
عقب روايته لَهُ: (( هَذَا الْحَدِيْث أصح شيء في الباب وأحسن )).
النوع الثاني : أن يقع
الإدراج في السند دون الْمَتْن
ويمكن أن نجعل هَذَا
النوع عَلَى خمسة أقسام ([40]):
القسم الأول :
أن يَكُوْن الْمَتْن
مختلف الإسناد بالنسبة إلى أفراد رواته ، فيرويه راوٍ واحد عَنْهُمْ ، فيحمل بعض
رواياتهم عَلَى بعض ولا يميز بينها .
ومثاله ما رَوَاهُ
عَبْد الرحمان بن مهدي ومحمد بن كثير العبدي، عن سفيان الثوري، عن منصور والأعمش
وواصل الأحدب([41])
، عن أبي وائل ، عن عمرو بن شرحبيل([42]) ، عن ابن مسعود ،
قُلْتُ : (( يا رَسُوْل الله أي الذنب أعظم ؟ … الْحَدِيْث )) ([43])
.
فَقَدْ أدرج عَبْد
الرحمان بن مهدي ومحمد بن كثير في هَذَا السند ، إِذْ إن منصوراً والأعمش يرويانه
عن أبي وائل ، عن عمرو بن شرحبيل ، عن ابن مسعود ، أما واصل فيرويه عن أبي وائل ،
عن ابن مسعود لا يذكر فِيْهِ عمرو بن
شرحبيل .
وَقَدْ رَوَاهُ عن
واصل بن حيان الأسديِّ الأحدبِ جَمَاعَة من الرُّوَاة مِنْهُمْ :
سعيد بن مسروق ([44])
: عِنْدَ الْخَطِيْب ([45])
.
شعبة بن الحجاج :
وروايته عِنْدَ : الطيالسي ([46])
، وأحمد ([47])
، والترمذي ([48])
، والنسائي ([49])
، والخطيب ([50])
.
مالك بن مِغْوَل ([51])
: عِنْدَ : النسائي في " الكبرى " ([52]) ، والخطيب ([53])،
قَالَ ابن حجر: (( أخرجه ابن مردويه من طريق مالك بن مغول بإسقاط أبي ميسرة )) ([54]).
مهدي بن ميمون([55])
: عِنْدَ : أحمد ([56])
، والخطيب ([57])
.
فَلَمْ يذكروا في
روايتهم عن واصل عمرو بن شرحبيل ، وإنما عمرو مذكور في رِوَايَة منصور والأعمش .
وَقَدْ بيّن الإسنادين يحيى بن سعيد القطان في روايته ، فأخرج : البخاري ([58])
، والدارقطني ([59])
، والخطيب ([60])
، من طرق عن يحيى بن سعيد القطان ، عن سفيان ، قَالَ : حَدَّثَنَا منصور والأعمش ،
عن أبي وائل ، عن أبي ميسرة ، عن عَبْد الله . قَالَ سفيان : وحدثني واصل ، عن أبي
وائل ، عن عَبْد الله ، بِهِ ([61])
.
قَالَ
الدَّارَقُطْنِيّ : (( قَالَ لنا أبو بكر النيسابوري : هكذا رَوَاهُ يحيى ، وَلَمْ
يذكر في حَدِيْث واصل عمرو بن شرحبيل ورواه عَبْد الرَّحْمَان بن مهدي ومحمد بن
كَثِيْر فجمعا بَيْنَ واصل ومنصور والأعمش ، عن أبي وائل ، عن عَمْرو بن شرحبيل ،
عن عَبْد الله ، فيشبه أن يَكُوْن الثوري جمع بَيْنَ الثلاثة لعبد الرحمن بن مهدي
ولابن كثير فجعل إسنادهم واحداً ، وَلَمْ
يذكر بينهم خلافاً ، وحمل حَدِيْث واصل عَلَى حَدِيْث الأعمش ومنصور ، وفصله يحيى
بن سعيد فجعل حَدِيْث واصل عن أبي وائل، عن عَبْد الله –وَهُوَ الصواب– ؛ لأن شعبة
ومهدي بن ميمون روياه عن واصل ، عن أبي وائل ، عن عَبْد الله كَمَا رَوَاهُ
يَحْيَى ، عن الثوري ، عَنْهُ، والله أعلم ))([62]).
القسم الثاني :
أن يَكُوْن متن
الْحَدِيْث عِنْدَ الرَّاوِي بإسناد إلا طرفاً مِنْهُ فإنه عنده بإسناد آخر ،
فيدرجه من رَوَاهُ عَنْهُ عَلَى الإسناد الأول ويسوق الْمَتْن تاماً ، ولا يذكر
الإسناد الثاني .
مثاله : ما رَوَاهُ
سفيان بن عيينة وزائدة بن قدامة ، عن عاصم بن كليب ، عن
أبيه ، عن وائل بن حجر – وذكر حَدِيْث صفة صلاة النَّبِيّ r - وفي
آخره : (( ثُمَّ جئتهم بَعْدَ ذَلِكَ في زمان فِيْهِ برد شديد فرأيتهم يحركون
أيديهم من تحت الثياب ))([63]).
فقوله: ((ثُمَّ جئتهم
بَعْدَ ذَلِكَ…)) من رِوَايَة عاصم بن كليب ، عن عَبْد الجبار بن وائل ، عن بعض
أهله ، عن وائل بن حجر ، وممن رَوَاهُ عَلَى هَذِهِ الشاكلة فميز بَيْنَ جزأي
الْمَتْن :
زهير بن معاوية : وروايته
عِنْدَ : أحمد ([64])
، والطبراني ([65])
، والخطيب ([66])
.
شجاع بن الوليد :
عِنْدَ الْخَطِيْب ([67])
.
ومما يقوي الحكم
بالإدراج في إسناد هَذَا الْحَدِيْث أن أحد عشر راوياً وهم : سفيان الثوري، وشعبة
، وأبو الأحوص ، وأبو عوانة ، وخالد بن عَبْد الله ([68])، وصالح بن عمر ،
وعبد الواحد بن زياد ، وجرير بن عَبْد الحميد ، وبشر بن المفضل ، وعبيدة بن حميد ([69])
، وعبد العزيز بن مُسْلِم ، رووا هَذَا الْحَدِيْث عن عاصم وَلَمْ يتطرقوا إلى ذكر
هَذَا الإدراج ([70])
.
قَالَ الحافظ موسى بن
هارون الحمال : (( وذلك – يعني رِوَايَة سفيان وزائدة – عندنا وَهم ، وإنما أدرج
عليه ، وَهُوَ من رِوَايَة عاصم ، عن عَبْد الجبار بن وائل ، عن بعض أهله ، عن
وائل ، هكذا رَوَاهُ مبيناً زهير بن معاوية وأبو بدر شجاع بن الوليد ، فميزا قصة
تحريك الأيدي من تحت الثياب وفصلاها من الْحَدِيْث وذكرا إسنادهما كَمَا
ذكرنا )). ثُمَّ قَالَ : (( وهذه رِوَايَة مضبوطة ، اتفق عليه زهير وشجاع بن
الوليد ، وهما أثبت لَهُ رِوَايَة ممن رَوَى (( رفع الأيدي من تحت الثياب )) عن
عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن وائل )) ([71]) .
القسم الثالث :
أن يَكُوْن المتنان
مختلفي الإسناد ، فيدرج بعض الرُّوَاة شَيْئاً من أحدهما في الآخر ولا يَكُوْن
ذَلِكَ الشيء من رِوَايَة ذَلِكَ الرَّاوِي .
مثاله : ما رَوَاهُ
أبو مُحَمَّد سعيد بن أبي مريم الحكم بن مُحَمَّد المصري ([72])، عن مالك، عن
الزهري ، عن أنس ، أن رَسُوْل الله r قَالَ: ((
لا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، ولا تنافسوا ، وكونوا عباد الله إخواناً
… الْحَدِيْث )) ، رَوَاهُ من هَذِهِ الطريق : الْخَطِيْب ([73]) ، وابن عَبْد
البر ([74])
.
قَالَ الحافظ حمزة بن
مُحَمَّد الكناني([75])
: (( لا أعلم أحداً قَالَ في هَذَا الْحَدِيْث عن مالك : (( ولا تنافسوا )) غَيْر
سعيد بن أبي مريم )) ([76]).
فسعيد أدرج لفظ : ((
ولا تنافسوا )) من متن حَدِيْث آخر ، رَوَاهُ مالك ، عن أبي الزناد([77])
، عن الأعرج ، عن أبي هُرَيْرَة مرفوعاً : (( إياكم والظن ، فإن الظن أكذب
الْحَدِيْث ، ولا تجسسوا ، ولا تحسسوا ، ولا تنافسوا ، ولا تحاسدوا )) .
والحديثان عَلَى
الصواب عِنْدَ رواة " الموطأ " كافة
مِنْهُمْ :
أحمد بن أبي بكر([78])
: عِنْدَ ابن حبان ([79]).
إسحاق بن عيسى الطباع
: عِنْدَ أحمد ([80]).
إسماعيل بن أبي أويس ([81])
: عِنْدَ البخاري في " الأدب المفرد " ([82]).
جويرية بن أسماء ([83])
: عِنْدَ الْخَطِيْب في " الفصل " ([84]) .
روح بن عبادة : عِنْدَ
أحمد ([85])
.
سويد بن سعيد الحدثاني
: كَمَا في " الموطأ " بروايته ([86]) .
عَبْد الرحمان بن
القاسم : كَمَا في " موطئه " ([87]).
عَبْد الله بن مسلمة
القعنبي : عِنْدَ : أبي داود ([88])
، وأبي نعيم ([89])
، والخطيب ([90]).
عَبْد الله بن وهب :
عِنْدَ الطحاوي في " شرح المشكل " ([91]) .
عَبْد الله بن يوسف
التنيسي : عِنْدَ البخاري ([92])
.
الفضل بن دكين :
عِنْدَ ابن عَبْد البر ([93])
.
قتيبة بن سعيد :
عِنْدَ : أبي أحمد الْحَاكِم ([94])
، والخطيب ([95])،
والعلائي ([96])
.
مُحَمَّد بن الحسن :
كَمَا في " موطئه " ([97])
.
مُحَمَّد بن سليمان
المصيصي ( لوين ) ([98])
: عِنْدَ أبي أحمد الْحَاكِم ([99])
.
أبو مصعب الزهري :
كَمَا في " الموطأ " بروايته ([100]).
معن بن عيسى القزاز :
عِنْدَ الْخَطِيْب ([101]).
يحيى بن بكير : عِنْدَ
العلائي ([102])
.
يحيى بن يحيى الليثي :
كَمَا في " موطئه " ([103])
.
يحيى بن يحيى
النيسابوري : عِنْدَ مُسْلِم ([104])
.
وَلَمْ ينفرد مالك
بهذا الحديث ، بَلْ تابعه متابعة تامة عليه :
سفيان بن عيينة وابن
أبي ذئب وزمعة عِنْدَ : الطيالسي ([105])، وسفيان وحده
عِنْدَ : الحميدي ([106])،
وأحمد ([107])،
ومسلم ([108])،
والترمذي ([109])،
وأبي يعلى ([110])
.
شعيب بن أبي حمزة :
عِنْدَ : أحمد ([111])،
والبخاري ([112])
.
مُحَمَّد بن الوليد
الزبيدي([113])
: عِنْدَ مُسْلِم ([114])
.
معمر بن راشد : عِنْدَ
: عَبْد الرزاق ([115])،
وأحمد ([116])
، ومسلم ([117])
.
فظهر أن الحديثين
اختلطا عَلَى سعيد بن أبي مريم فأدرج من متن الثاني لفظاً في الْمَتْن الأول
بإسناد الأول ([118])
.
القسم الرابع :
أن يَكُوْن الْمَتْن
عِنْدَ راوٍ إلا جزءاً مِنْهُ ، فإنه لَمْ يسمعه من شيخه فِيْهِ، وإنما سمعه من
واسطة بينه وبين شيخه ، فيدرج الرُّوَاة الجزء من الْحَدِيْث من غَيْر تفصيل ([119])
.
مثاله : الْحَدِيْث
الَّذِيْ رَوَاهُ إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير([120]) ، عن حميد
الطويل ، عن أنس في قصة العرنيين ، وأن رَسُوْل الله r قَالَ
لَهُمْ: (( لَوْ خرجتم إلى إبلنا فشربتم من ألبانها وأبوالها )) ([121])
.
فلفظه: (( وأبوالها ))
لَمْ يسمعها حميد من أنس مباشرة ، وإنما سمعها من قتادة ، عن أنس ، فأدرجها إسماعيل
في الْمَتْن الأول بإسناد الْحَدِيْث الأول من غَيْر تفصيل ، قَالَ الحافظ
الْخَطِيْب البغدادي: (( هكذا رَوَى إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري جميع
هَذَا الْحَدِيْث عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، وفيه لفظة واحدة لَمْ يسمعها
حميد عن أنس ، وإنما رواها عن قتادة عن أنس ، وَهِيَ قوله : (( وأبوالها )) )) ([122])
.
وَقَدْ رَوَى هَذَا
الْحَدِيْث عَلَى الصواب ففصل رِوَايَة قتادة عدة رواة من أصحاب حميد ، مِنْهُمْ :
بشر بن المفضل :
عِنْدَ الْخَطِيْب ([127])
.
عَبْد الله بن بكر
السهمي([130])
: عِنْدَ الطحاوي ([131])،
والخطيب ([132])
.
مروان بن معاوية
الفزاري([133])
: عِنْدَ الْخَطِيْب ([134])
.
معتمر بن سليمان :
عِنْدَ الْخَطِيْب ([135])
.
قَالَ الحافظ ابن حجر
: (( كلهم يقول فِيْهِ: (( فشربتم من ألبانها )) قَالَ حميد : قَالَ قتادة ، عن
أنس – رضي الله تَعَالَى عَنْهُ – : (( وأبوالها )) فرواية إسماعيل عَلَى هَذَا
فِيْهَا إدراج وتسوية )) ([140]).
وأصرح الروايات في
هَذَا رِوَايَة أبي عوانة من طريق يزيد بن هارون ، عن حميد ، وفيه : (( قَالَ حميد
: قَالَ قتادة : (( وابوالها )) ، لَمْ أسمعه أنا من أنس )) ([141])
.
هكذا مثّل الْخَطِيْب
البغدادي ([142])
وابن حجر ([143])
لهذا النوع بهذا المثل ، واستدرك بعضهم ([144]) بأن إسماعيل بن
جعفر متابع تابعه :
عَبْد الوهاب بن عَبْد
المجيد الثقفي : كَمَا عِنْدَ ابن ماجه ([145]).
وعبد الله بن عمر :
عِنْدَ : النسائي ([146])،
وأبي عوانة ([147]).
وهشيم بن بشير الواسطي
: عِنْدَ مُسْلِم ([148])
.
والذي يبدو لي أن
هَذِهِ الطرق لا يصح استدراكها عَلَى هذين الحافظين لما يأتي :
أما متابعة عَبْد الله
بن عمر، فعبد الله بن عمر: ضعيف ، ضعفه أحمد والعقيلي وابن معين وابن المديني
ويحيى بن سعيد وصالح جزرة والنسائي وابن سعد والترمذي وابن حبان والدارقطني وأبو
أحمد الْحَاكِم ([149])
.
وأما متابعة هشيم،
فإنما رَوَاهُ هشيم عن حميد وثابت وقتادة ثلاثتهم مقرونين، فلعله حمل رِوَايَة بعض
عَلَى بعض وَلَمْ يفصّل فِيْهَا .
فَلَمْ تبق إلا
رِوَايَة عَبْد الوهاب ، ويتخرّج أمرها عَلَى محملين :
الأول: إنها وإن تابع
فِيْهَا عَبْد الوهاب إسماعيل بن جعفر فكل منهما لا يقوى عَلَى مقاومة خلاف أصحاب
حميد وهم سبعة أنفس . وهذا أقوى المحملين .
الثاني : أن تصح فيصير
الحمل حينئذ عَلَى حميد ، فكأنه كَانَ يبين لبعض الرُّوَاة الأمر، ويجمله لبعضهم .
والله أعلم .
القسم الخامس :
أن يسوق المحدّث
إسناده فَقَطْ من غَيْر أن يذكر الْمَتْن ، ثُمَّ يقطعه قاطع فيذكر كلاماً فيظن
بعض من سمعه أن ذَلِكَ الكلام هُوَ متن الإسناد ([150]) .
ومثاله الْحَدِيْث
الَّذِيْ رَوَاهُ ثابت بن موسى([151])
الزاهد ، عن شريك القاضي ، عن الأعمش ، عن أَبِي سفيان ، عن جابر مرفوعاً : (( من
كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار )) ([152]) .
قَالَ الْحَاكِم : ((
هَذَا ثابت بن موسى الزاهد دخل عَلَى شريك بن عَبْد الله القاضي والمستملي بَيْنَ
يديه، وشريك يقول: حَدَّثَنَا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قَالَ: قَالَ رَسُوْل
الله r وَلَمْ
يذكر الْمَتْن، فلما نظر إلى ثابت بن موسى قَالَ: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه
بالنهار. وإنما أراد بِذَلِكَ ثابت بن موسى لزهده وورعه، فظن ثابت بن موسى أنه
رَوَى الْحَدِيْث مرفوعاً بهذا الإسناد، فكان ثابت بن موسى يحدِّث بِهِ عن شريك ،
عن الأعمش، عن أَبِي سفيان، عن جابر، وليس لهذا الْحَدِيْث أصل إلا من
هَذَا الوجه، وعن قوم من المجروحين سرقوه من ثابت بن موسى فرووه عن شريك ))([153]).
قَالَ الحافظ العراقي
: (( فعلى هَذَا هُوَ من أقسام المدرج )) ([154]) .
المطلب الثالث
أسباب وقوع الإدراج
إن الباعث للراوي
عَلَى الإدراج يختلف من شخص لآخر ، ومن حَدِيْث إلى حَدِيْث غيره ، ما بَيْنَ بيان
لتفسير كلمة ، أَوْ استنباط لحكم ، أَوْ قلة ضبط .
ويمكننا أن نجمل سبب
وقوع الإدراج فِيْمَا يأتي ([155])
:
أن يريد الرَّاوِي
تفسير بعض الألفاظ الغريبة الواردة في متن الْحَدِيْث ، فيحملها عَنْهُ بعض
الرُّوَاة من غَيْر تفصيل لتفسير تِلْكَ الألفاظ .
مثاله : حَدِيْث عقيل([156])
، عن ابن شهاب الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين في قصة بدء
الوحي، وفيه: (( وَكَانَ يخلو بغار حراء فيتحنث فِيْهِ، وَهُوَ التعبد … )) ([157])
.
فقوله : (( وَهُوَ
التعبد )) مدرج من كلام الزهري في الْحَدِيْث ([158]) .
أن يقصد الرَّاوِي
إثبات حكم ويستدل عليه بالحديث المرفوع .
ومثاله ما سبق ([159])
في حَدِيْث أَبِي هُرَيْرَة t : ((
أسبغوا الوضوء ، ويل للأعقاب من النار )) .
أن يريد الرَّاوِي
بيان حكم يُستَنبطُ من كلام النَّبِيّ r .
ومثاله ما تقدم ([160])
في حَدِيْث بسرة بنت صفوان رضي الله عَنْهَا : (( مَنْ مس ذكره أو رفغه أو أنثييه
فليتوضأ )) .
قَالَ السيوطي : ((
فعروة لمّا فهم من لفظ الخبر أن سبب نقض الوضوء مظنة الشهوة جعل حكم ما قرب من
الذكر كذلك فَقَالَ ذَلِكَ ، فظن بعض الرُّوَاة أنه من صلب الخبر فنقله مدرجاً
فِيْهِ ، وفهم الآخرون الحال ففصلوا )) ([161])
.
اختصار الْحَدِيْث
والرواية بالمعنى .
الخطأ الناشئ عن عدم
ضبط الرَّاوِي لمروياته .
المطلب الرابع
طرق الكشف عن الإدراج
لَمْ يَكُن النقد
الحديثي في وقت من أوقاته عبارة عن إلقاء للكلام عَلَى عواهنه ،
بَلْ هُوَ أمر في غاية العسر ، تحكمه القرائن وتقويه المرجحات وتسنده أقوال أئمة
هَذَا الشأن .
ولا ريب أن الكشف عن
الْحَدِيْث المعل بأية علة كانت يفتقر إلى اطلاع واسع وخبرة بالرجال ودراية بأقوال
النقاد وملاحظة مواضع كلامهم ، ومن هنا كَانَ الحكم عَلَى حَدِيْث ما بالإدراج
شَيْئاً ليس بالهين .
لذا نجد الإمام ابن
دقيق العيد يضعف الحكم بالإدراج عَلَى الْحَدِيْث إذا كَانَ
اللفظ المدرج في أثناء متن الْحَدِيْث ، ويضعف أكثر إذا كَانَ قَبْلَ اللفظ
المرفوع ، أو معطوفاً عليه بواو العطف ([162]) .
ويعلل هَذَا الضعف
بقوله : (( لما فِيْهِ من اتصال هَذِهِ
اللفظة بالعامل الَّذِيْ هُوَ من لفظ الرسول r )) ([163])
.
والحق أنه إذا قامت
قرائن ومرجحات تقوي في نفس الناقد الحكم عَلَى تِلْكَ اللفظة بالإدراج فلا مانع من ذَلِكَ ، وفي
هَذَا يقول الحافظ ابن حجر : (( وفي الجملة إذا قام الدليل عَلَى إدراج جملة معينة
بحيث يغلب عَلَى الظن ذَلِكَ ، فسواء كَانَ في الأول أو الوسط أَو الآخر ، فإن سبب
ذَلِكَ الاختصار من بعض الرُّوَاة بحذف أداة التفسير أَو التفصيل ، فيجيء مَن بعده
فيرويه مدمجاً من غَيْر تفصيل فيقع ذَلِكَ ))([164]).
وَقَد وضع العلماء
جملة من القواعد الَّتِيْ يعرف بِهَا كون الْحَدِيْث مدرجاً ، يمكننا حصرها
فِيْمَا يأتي :
1. أن يَكُوْن لفظه
مِمَّا تستحيل إضافته إلى النَّبِيّ r .
مثاله: حَدِيْث عَبْد
الله بن المبارك، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري،عن سعيد بن المسيب،عن أبي
هُرَيْرَة t قَالَ:قَالَ رَسُوْل الله r : (( للعبد المملوك أجران، والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل
الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك )) ([165]).
فقوله : (( والذي نفسي
بيده … الخ الْحَدِيْث )) ، مِمَّا تستحيل نسبته إلى النَّبِيّ r إِذْ لا يجوز في حقه أن يتمنى الرِّق ، وأيضاً لَمْ تكن لَهُ أم
يبرها ، ولما فتشنا وجدناه مدرجاً من كلام أبي هُرَيْرَة .
فَقَدْ أخرجه البخاري
([166])
عن بشر بن محمد([167])،
عن عَبْد الله بن المبارك، عن يونس، عن الزهري ، عن أبي هُرَيْرَة ، بِهِ . فأدرج
كلام أبي هُرَيْرَة في المرفوع ، وفصل القدر المدرج ثلاثة من الرُّوَاة عن ابن
المبارك هم :
إِبْرَاهِيْم بن إسحاق
الطالقاني : عِنْدَ أحمد ([168])
.
حبان بن موسى المروزي([171])
: عِنْدَ الْخَطِيْب ([172])
.
كَمَا أن ابن المبارك
متابع في روايته عن يونس متابعة تامة ، تابعه :
أبو صفوان الأموي([173])
: عِنْدَ مُسْلِم ([174])
.
سليمان بن بلال :
عِنْدَ البخاري في " الأدب المفرد " ([175]) .
عَبْد الله بن وهب :
عِنْدَ مُسْلِم ([176])،
وأبي عوانة ([177])،
والخطيب ([178])
.
فظهر أن هَذَا الجزء
من الْمَتْن مدرج في حَدِيْث رَسُوْل الله r من كلام أبي هُرَيْرَة، قَالَ الْخَطِيْب : (( وقول النَّبِيّ r هُوَ: (( للعبد الصالح أجران )) فَقَطْ ، وما بَعْدَ ذَلِكَ إنما
هُوَ كلام أبي هُرَيْرَة )) ([182])
.
2. أن يرد التصريح من
الصَّحَابِيّ بأنه لَمْ يَسْمَع تِلْكَ الجملة من النَّبِيّ r
مثاله : ما رواه أحمد
بن عَبْد الجبار العطاردي([183])
، عن أبي بكر بن عياش([184])
،
عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش([185])، عن عَبْد الله
بن مسعود ، عن النَّبِيّ r: (( من مات وَهُوَ لا يشرك بالله شَيْئاً دخل الجنة، ومن مات
وَهُوَ يشرك بالله شَيْئاً دخل النار ))([186]).
فأحمد بن عَبْد الجبار
وهم في هَذَا الْحَدِيْث ، فأدرج الجملة الثانية في المرفوع من الْحَدِيْث وَهُوَ
الجملة الأولى ، قَالَ الْخَطِيْب : (( هكذا رَوَى هَذَا الْحَدِيْث أحمد بن عَبْد
الجبار العطاردي ، عن أبي بكر بن عياش ، ووهم في إسناده وفي متنه .
أما الوهم في إسناده
فإن عاصماً إنما كَانَ يرويه عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، عن عَبْد الله ، لا عن زر
، وَقَدْ رَوَاهُ كذلك عن أبي بكر : أسود بن عامر([187]) شاذان ، وأبو
هشام مُحَمَّد بن يزيد الرفاعي([188])،
وأبو كريب مُحَمَّد بن العلاء الهمداني ، ووافقهم حماد ابن شعيب([189])
والهيثم بن جهم([190])
والد عثمان بن الهيثم المؤذن ، فروياه عن عاصم، عن أبي وائل كذلك.
وأما الوهم في متن
الْحَدِيْث : فإن العطاردي في روايته جعله كله كلام النَّبِيّ r وليس كذلك ، وإنما الفصل في ذكر من مات مشركاً قَوْل رَسُوْل الله
r ، والفصل الثاني في ذكر من مات غَيْر مشرك قَوْل عَبْد الله بن
مسعود )) ([191])
.
وَقَدْ رَوَاهُ جمع من
الرُّوَاة عن أبي بكر بن عياش وميزوا بَيْنَ الفصلين ، وهم :
أبوكريب مُحَمَّد بن
العلاء : عِنْدَ الْخَطِيْب في " الفصل " ([192])
.
الأسود بن عامر (
شاذان ) : عِنْدَ : أحمد ([193])
، ومن طريقه الْخَطِيْب ([194])
.
مُحَمَّد بن يزيد أبو
هاشم الرفاعي : عِنْدَ أبي يعلى ([195]) ، والخطيب ([196]).
ثُمَّ إن أبا بكر بن
عياش متابع عليه في روايته عن عاصم ، تابعه :
حماد بن شعيب : عند
الْخَطِيْب ([197]).
الهيثم بن جهم :
عِنْدَ الْخَطِيْب أَيْضاً ([198])
.
أبو أيوب الإفريقي([199])
: عِنْدَ الطبراني في " الكبير " ([200]) و " الأوسط
"([201])
.
ورواه أحمد بن يونس ،
عن أبي بكر بن عياش مقتصراً عَلَى اللفظ المرفوع ([202]) .
ولفظ الْحَدِيْث كَمَا
رَوَاهُ أحمد ([203])
من طريق أسود بن عامر : قَالَ عَبْد الله : سَمِعْتُ رَسُوْل الله r يقول: (( من جعل لله نداً جعله الله في النار )) ، وَقَالَ: وأخرى
أقولها لَمْ أسمعها مِنْهُ : من مات لا يجعل لله نداً أدخله الله الجنة .
3. أن يفصِّل بعض
الرُّوَاة فيبينوا المدرج ويَفْصِلُوه عن الْمَتْن المرفوع ، ويضيفوه إلى قائله :
مثاله : ما رَوَاهُ
عَبْد الله بن خيران ([204])،
عن شعبة ، عن أنس بن سيرين ، أنه سَمِعَ ابن عمر رضي الله تَعَالَى عنهما يقول :
طلقت امرأتي وَهِيَ حائض ، فذكر عمر t ذَلِكَ للنبي r فَقَالَ : (( مُرهُ فليراجعها ، فإذا طهرت فليطلقها )) قَالَ :
فتحتسب بالتطليقة ؟ قَالَ : فمه ([205]) .
قَالَ الْخَطِيْب: ((
والصواب أن الاستفهام من قَوْل أنس بن سيرين ، وأن جوابه من قول ابن عمر )) ([206])
.
وَقَدْ بيّن ذَلِكَ جَمَاعَة
الرُّوَاة عن شعبة ، وهم :
خالد بن الحارث :
عِنْدَ مُسْلِم ([212])
.
سليمان بن حرب :
عِنْدَ البخاري ([213])
.
مُحَمَّد بن جعفر (
غندر ) : عِنْدَ أحمد ([214])،
ومسلم ([215])،
والخطيب ([216])
.
النضر بن شميل المازني
عِنْدَ الْخَطِيْب ([217])
.
يحيى بن سعيد القطان :
عِنْدَ الْخَطِيْب ([218])
.
يزيد بن هارون :
عِنْدَ ابن الجارود ([219])
.
فظهر أن عَبْد الله بن
خيران أدرج سؤال ابن سيرين وجواب ابن عمر لَهُ في الْحَدِيْث وجعل صورة الكل كأنه
مرفوع .
ولفظ الْحَدِيْث كَمَا
أخرجه أحمد ([220])
من طريق مُحَمَّد بن جعفر ( غندر ) ، عن شعبة ، عن أنس بن سيرين ، أنه سَمِعَ ابن
عمر قَالَ : طلقت امرأتي وَهِيَ حائض ، فأتى عمر النَّبِيّ r فأخبره ، فَقَالَ : (( مُره فليراجعها ، ثُمَّ إذا طهرت فليطلقها
)) .
قُلْتُ لابن عمر :
أحسب تِلْكَ تطليقة ؟ قَالَ : فمه !!
إلا أن الحَافِظ ابن
حجر استدرك عَلَى حكمنا عَلَى الْحَدِيْث بالإدراج موافقة لهذه القاعدة الثالثة
بأن البت بالحكم هنا لَيْسَ لَهُ قوة البت بالحكم في النوعين الماضيين ، فَقَالَ:
(( والحكم عَلَى هَذَا القسم الثالث بالإدراج يَكُوْن بحسب غلبة ظن المحدّث
الحَافِظ الناقد، ولا يوجب القطع بِذَلِكَ خلاف القسمين الأولين ، وأكثر هَذَا
الثالث يقع تفسيراً لبعض الألفاظ الواقعة في الْحَدِيْث كَمَا في أحاديث الشغار
والمحاقلة والمزابنة )) ([221])
.
المطلب الخامس : حكم
الإدراج
اتضح لنا فِيْمَا مضى
أن الإدراج علة يعل بِهَا الْحَدِيْث ، سواء وقعت في الْمَتْن أو الإسناد ، لذا
فتعمد الإدراج حرام ([222])،
بَلْ هُوَ أمر قادح في عدالة الرَّاوِي، لا سيما إذا انبنى عَلَى ذَلِكَ شيء من
الأحكام العلمية أَوْ العملية ، قَالَ الإمام أبو المظفر السمعاني : (( وأما من
يدلس في المتون فهذا مطرح الْحَدِيْث مجروح العدالة، وَهُوَ مِمَّنْ يحرف الكلم عن
مواضعه وإن كَانَ ملحقاً بالكذابين وَلَمْ يقبل حديثه )) ([223])
.
إلا أن الحافظ السيوطي
رأى أن تفسير الغريب الَّذِيْ يقع في متن الْحَدِيْث غَيْر ممنوع ، واستدل بفعل
الزهري وغيره من أساطين الرِّوَايَة لَهُ ([224]) . والذي أراه أن
لا بأس بهذا الاستثناء لا سيما إذا أتي بفصل يبين المدرج ، والله أعلم .
المبحث السادس
الاختلاف بسبب خطأ
الراوي
الخطأ في رِوَايَة
الثقات أمرٌ وارد ، إِذْ لا يلزم من رِوَايَة الثقة أن تكون صواباً ، إِذ الأصل
فِيْهَا الصواب والخطأ طارئٌ محتمل ، فالراوي الثقة مهما بلغ أعلى مراتب الضبط
والإتقان فالخطأ في روايته يبقى أمراً محتملاً وليس بعيداً، ومعرفة الخطأ في
حَدِيْث الثقة لا يتمكن من مَعْرِفَته إلا الأئمة الجامعون ، وَقَدْ يطلع الجهبذ
من أئمة الْحَدِيْث عَلَى حَدِيْث ما فيحكم عليه بخطأ راويه الثقة مع أن ظاهر
الْحَدِيْث السلامة من هَذِهِ العلة القادحة ، لَكِن العالم الفهم لا يحكم
بِذَلِكَ عن هوى بَلْ يترجح لديه أن أحد الرُّوَاة قَدْ أخطأ في هَذَا الْحَدِيْث ، وذلك للقرائن الَّتِيْ تحيط
بالحديث ، ومثل هَذِهِ الْمَعْرِفَة لا تتضح لكل أحد ، بَلْ هِيَ لِمَنْ منحه الله
فهماً دقيقاً واطلاعاً واسعاً وإدراكاً كبيراً ومعرفة بعلل الأسانيد ومتونها
ومشكلاتها وغوامضها ، ومعرفة واسعة بطرق الْحَدِيْث ومخارجه ، وأحوال الرُّوَاة
وصفاتهم.
وما دام إدراك الخطأ
في حَدِيْث الثقة أمراً خفياً لا يتمكن مِنْهُ كُلّ أحد ، ولا ينكشف لكل ناقد فإن
بعضاً من أخطاء الثقات قَدْ ظن بِهَا جَمَاعَة من القوم صحيحة لظاهر ثقة رجالها
واتصال إسنادها وظاهر خلوها من العلة ، وَقَدْ أخذوا بتلك الأحاديث وعملوا بِهَا
تحسيناً لظنهم بأولئك الرُّوَاة الثقات فحصل اختلاف بَيْنَ الأحاديث مِمَّا أدى
إلى اختلاف في الفقه الإسلامي .
مثال ذَلِكَ : حَدِيْث
وائل بن حجر في الجهر بآمين بَعْدَ قِرَاءة الفاتحة في الصلاة .
فَقَدْ رَوَى هَذَا
الْحَدِيْث: سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل ([225]) ، عن حجر بن
العنبس ([226])
، عن وائل بن حجر ، قَالَ : (( سَمِعْتُ النَّبِيّ r قرأ : } غَيْرِ
الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ { فَقَالَ :
آمين و مد بِهَا صوته )) ([227])
.
وَقَدْ أخطأ الإمام
الحافظ شعبة بن الحجاج ، في هَذَا الْحَدِيْث فخالف سفيان في رِوَايَة هَذَا
الْحَدِيْث إِذْ رَوَاهُ عن سلمة بن كهيل ، عن حجر أبي العنبس ، عن علقمة بن وائل
، عن وائل ، قَالَ : (( صلى بنا رَسُوْل الله r فلما قرأ : } غَيْر
المغضوب عليهم ولا الضالين { قَالَ :
آمين وأخفى بِهَا صوته )) ([228])
.
فَقَدْ خالف شعبة
سفيان في سند الْحَدِيْث :
عندما أضاف علقمة .
أبدل حجر بن عنبس بـ :
( حجر أبو العنبس ) .
خالفه في الْمَتْن
فَقَالَ : (( خفض بِهَا صوته ))
قَالَ الإمام الترمذي
: (( سَمِعْتُ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْل – البخاري – يقول : (( حَدِيْث سفيان
الثوري ، عن سلمة بن كهيل في هَذَا الباب أصح من حَدِيْث شعبة ، وشعبة أخطأ في هَذَا
الْحَدِيْث في مواضع ، قَالَ : (( عن سلمة بن كهيل ، عن حجر أبي العنبس ، وإنما
هُوَ حجر بن عنبس ، عن وائل بن حجر ، ليس فِيْهِ
علقمة ، وَقَالَ :
(( وخفض بِهَا صوته )) وَالصَّحِيْح أنه جهر بِهَا )) وسألت أبا زرعة فَقَالَ : ((
حَدِيْث سفيان أصح من حَدِيْث شعبة ، وَقَدْ رَوَاهُ العلاء بن صالح([229])
)) ([230])
.
وَقَدْ عقّب الحافظ
البيهقي عَلَى قَوْل هذين الجهبذين فَقَالَ : (( أما خطؤه في متنه فبين ، وأما
قوله : (( حجر أبو العنبس )) فكذلك ذكره مُحَمَّد بن كثير عن الثوري ([231])
، وأما قوله : عن علقمة فَقَدْ بين في روايته أن حجراً سمعه من علقمة ، وَقَدْ
سمعه أَيْضاً من وائل نفسه ([232])
، وَقَدْ رَوَاهُ أبو الوليد الطيالسي عن شعبة نحو رِوَايَة الثوري )) ([233])
.
وَقَالَ
الدَّارَقُطْنِيّ : (( كَذَا قَالَ شعبة وأخفى بِهَا صوته ، ويقال : إنه وهم
فِيْهِ ؛ ولأن سفيان الثوري ومحمد بن سلمة
بن كهيل ، وغيرهما رووه عن سلمة ، فقالوا: ورفع صوته بآمين ، وَهُوَ الصواب )) ([234]).
والذي يهمنا في مجال
بحثنا هُوَ خطأ الإمام شعبة بقوله : (( أخفى بِهَا صوته )) ، والمرجح هنا هُوَ
رِوَايَة سفيان ، وعند الاختلاف من غَيْر مرجحات فرواية سفيان أقوى من رِوَايَة
شعبة ؛ إِذْ قَالَ شعبة نفسه : (( سُفْيَان أحفظ مني )) ، وَقَالَ لَهُ رجل:
وخالفك سُفْيَان قَالَ: (( دمغتني )) ، وَقَالَ يحيى بن سعيد القطان: (( ليس أحدٌ
أحب إليّ من شعبة ، ولا يعدله عندي ، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان )) ([235]).
وَقَالَ البيهقي : (( لا أعلم اختلافاً بَيْنَ أهل العلم بالحديث أن سفيان وشعبة
إذا اختلفا فالقول قَوْل سفيان ))([236]).
وَقَدْ احتج ابن قيم
الجوزية ([237])
بترجيح رِوَايَة سفيان بخمس حجج :
الأولى : قَوْل
العلماء السابق في ترجيح رِوَايَة سفيان .
الثانية : متابعة
العلاء بن صالح ([238])
، ومحمد بن سلمة بن كهيل ([239])
لسفيان في روايتيهما عن سلمة بن كهيل ([240]) .
الثالث : هُوَ أن أبا
الوليد الطيالسي رَوَى عن شعبة في الْمَتْن بنحو حَدِيْث الثوري ، إذن فَقَد اختلف
عَلَى شعبة في روايته فَقَالَ البيهقي: (( فيحتمل أن يَكُوْن تنبه لِذَلِكَ فعاد
إلى الصواب في متنه ، وترك ذكر ذَلِكَ عن علقمة في إسناده )) .
الرابع : هُوَ أن
رِوَايَة الرفع متضمنة لزيادة ، وكانت هَذِهِ الزيادة أولى بالقبول .
الخامس: هِيَ أن
هَذِهِ الرِّوَايَة موافقة ومفسرة لحديث أبي هُرَيْرَة : (( إذا أمن الإمام فأمنوا
)) ([241]).
ثُمَّ إن الْحَدِيْث
ورد من طريق علقمة بن وائل ([242])
، وعبد الجبار بن وائل ([243])
، وكليب بن شهاب ([244])
؛ ثلاثتهم رووه عن وائل بن حجر بنحو رِوَايَة سُفْيَان ، وهذا كله يدل عَلَى أن
شعبة قَدْ أخطأ في هَذَا الْحَدِيْث .
أثر الْحَدِيْث في
اختلاف الفقهاء
قَوْل الإمام (( آمين
)) بَعْدَ قِرَاءة الفاتحة :
اختلف العلماء رحمهم
الله في هَذِهِ المسألة عَلَى ثلاثة أقوال :
القَوْل الأول : إن
الإمام يقول (( آمين )) بَعْدَ قِرَاءة الفاتحة وكذلك المأموم :
وهذا قَوْل جمهور الصَّحَابَة والتابعين⇚تابع بالصفحة التالية٢١
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق